تتناقل وسائل التواصل الإجتماعيّ تصريحات منسوبة إلى رئيس الوزراء المكلّف، مفادها أنّ من يستحق توليّ الحقائب الوزاريّة هم خريجو الجامعة الأميركيّة، وذلك في تجاهل واضح لدور الجامعة اللبنانيّة الوطنيّة التي تمثّل حجر الأساس في نظام التعليم العالي في لبنان. يثير هذا الطرح تساؤلات جوهريّة حول معايّير الكفاءة والجدارة، ومدى ارتباطها بالجامعة التي تخرّج منها الشخص وليس بقدراته ومؤهلاته الحقيقيّة.
الجامعة اللبنانيّة: معيار التقيّيم وليس العكس
لطالما كانت الجامعة اللبنانيّة هي المرجع الرسميّ في قطاع التعليم العالي، فهي المؤسسة التي يتم بناءً عليها معادلة الشهادات الأجنبيّة من قِبل وزارة التربية والتعليم العالي. وهذا يعني أنّها ليست مجرّد جامعة ضمن مجموعة من الجامعات، بل هي معيار التقيّيم نفسه، أي أنّها تُقيِّم ولا تُقيَّم، وهذا ما يجعل أي تقليل من شأنها مجافياً للواقع والمنطق.
إلى جانب دورها الأكاديميّ، تحمل الجامعة اللبنانيّة بُعداً وطنيّاً واجتماعيّاً، فهي الحاضنة لأبناء الطبقة المتوسطة والمحدودة الدخل، الذين تمكّنوا من تحقيق التفوّق العلميّ والمنافسة في مختلف الميادين، سواء في لبنان أو خارجه. يحتلّ خريجوها مراكز مرموقة في القضاء، والهندسة، والطب، والحقوق، والإدارة، وهم من أثبتوا جدارتهم عبر الكفاءة والجهد، وليس عبر الإمتيازات الماليّة أو الإنتماءات الاجتماعيّة.
التميّيز الأكاديميّ أم التميّيز الطبقيّ؟
إذا صحت التصريحات المنسوبة لرئيس الوزراء المكلّف، فإنّها تعكس نزعة نخبويّة مقلِقة، حيث يتمّ ربط الكفاءة بالقدرة على تحمّل كلفة الدراسة في جامعة خاصة، بدلاً من النظر إلى المؤهلات الحقيقيّة والقدرة على الإنجاز. تعزّز هذه النظرة الطبقيّة في المجتمع اللبنانيّ، وتكرّس فكرة أنّ النجاح حكرٌ على فئة معيّنة، في حين أنّ الواقع يُثبت أنّ الجامعات لا تصنع النجاح، بل هو نتاج الموهبة والاجتهاد.
من المفارقات أنّ العديد من خريجي الجامعة اللبنانيّة يتفوّقون في سوق العمل على نظرائهم من الجامعات الخاصة، لأنّهم خاضوا مسيرة دراسيّة أكثر تحدّياً، وواجهوا عقبات لم يواجهها غيرهم، ممّا جعلهم أكثر قدرة على الصمود والتفوّق في بيئات العمل التنافسيّة.
إعادة الاعتبار للجامعة الوطنيّة
ليست الجامعة اللبنانيّة مجرّد صرح أكاديميّ، بل هي نموذج لفرص التعليم المتاحة لجميع اللبنانيّين بغض النظر عن إمكانيّاتهم الماديّة. لذلك، فإنّ أي تميّيز ضد خرّيجيها ليس مجرد إساءة إلى مؤسسة تعليميّة، بل هو تقويض لفكرة العدالة الاجتماعيّة وإمكانيّة تكافؤ الفرص.
إنّ تشكيل الحكومات يجب أن يقوم على أساس الكفاءة والقدرة على القيادة، وليس على أسماء الجامعات التي تخرج منها الوزراء. فالحكم على الأشخاص يجب أن يكون استناداً إلى سجلهم العمليّ وخبراتهم، وليس إلى شهادة صادرة عن جامعة خاصة قد يكون الحصول عليها مجرّد مسألة قدرة ماليّة وليست معياراً للجدارة الحقيقيّة.
في الختام، إنّ الجامعة اللبنانيّة ستبقى أساس التعليم العالي في لبنان، وستظلّ الحاضنة الأولى للنخب الأكاديميّة والمهنيّة، وسيبقى خريجوها في طليعة الكفاءات الوطنيّة، لأنّ النجاح لا يُشترى، بل يُصنع بالعلم والعمل.
بيروت، 1 شباط 2025
د. رنا منصور
أستاذة محاضرة في الجامعة اللبنانيّة
رئيسة قسم الاقتصاد سابقاً