مبادرات بيئية بمناسبة المسيرات الحسينية

بقلم علي خيرالله شريف

 

أفكارٌ تولَدُ من رحِمِ عاشوراء، من شبابٍ وشابات يرفضون التهاون الذي يحصل، بقصدٍ أو بدون قصد، بمعاني ثورة الحسين(ع) القائمة أصلاً على تقويم كُلِّ اعوجاجٍ وانحرافٍ في أمةِ نبيِّ الهدى محمد(ص). فقرروا التكامُل مع القبضات الحسينية التي تلبي النداء وترفض الذِلَّة، وتَنشُدُ مكارم الأخلاق. وهل هناك أرقى وأطهر من إحياء ذكرى كربلاء الحسين(ع) لتحقيق ذلك التكامُل؟

سمعنا عن ثُلَّةٍ من الغيارى قد أطلقوا مبادرةً، تهدِفُ إلى مؤازرة خدام الحسين(ع) في مسيرات المشاية على طرقات البقاع، وأسموها مبادرة “باقون”، وتهدِفُ إلى حِفظِ الوجه الحضاري للمسيرة عبر المحافظة على نظافة الطرقات وعدم رمي النفايات فيها. وأطلقوا في سبيل ذلك نداءاتهم عبر وسائل التواصل ووسائل الإعلام. وهم يتمنون إيصال صوتهم إلى كل الآذان الصاغية والعقول النيرة لتحقيق الأهداف التي حددوها لأنفسهم، توسُّلاً لرضا الله عزَّ وَجَلّ. ونحن معهم ما داموا لا يتلقون دعماً من أي جهةٍ خارجيةٍ، أما الجهات الداخلية فلا ضيرَ في ذلك إن كانت غير مرتبطةٍ بجهاتٍ لها باعٌ طويلٌ في شرذمة المجتمع، وما داموا لا يسعون إلى الشهرة أو إلى السلطة أو الثروة. وقد وجَهوا دعواتهم إلى أكبر عدد من المتطوعين الشباب لكي يشاركوا في تحقيق أهدافهم الحسينية النبيلة. وهؤلاء الشباب يتمنون إفساح المجال أمام الأيادي الخيِّرة للتبرع من أجل تأمين الدعم اللوجستي للمتطوعين الذين بلغ عددهم المئات، لكي يستطيعوا القيام بمهامهم على طول خط المسير الذي يمتد عشرات الكيلومترات. ويقول هؤلاء المتطوعون أن من أهدافِهِم المساعدة في تنمية الروحية الوطنية والمدنية الراقية في نفوس الناس ما يجعلهم يلتفتون إلى ضرورة تحقيق الأهداف النبيلة المتكاملة لثورة كربلاء، وهي نفس الأهداف التي تتجلَّى في كون الإنسان خليفة الله على الأرض، وهذه الخلافة تتحقق عندما تكتمل في الإنسان صفات الكمال والطاعة المستمدَّة من أسماء الله الحسنى، وتكريس مفاهيم احترام البيئة والنظافة، انطلاقاً من تعليمات الدين الذي ثار الحسين نصرة له وتصدياً لدعاة تحريفه وانتهاك محرماته.

كم كنتُ أتمنى أن تساعدني صحتي على المشاركة في مسيرات الحسين(ع) وفي فعاليات تجسيد مفاهيم ثورة الحسين(ع). وكم نحن بحاجة إلى هكذا مبادرات حسينية حقيقية في كل الميادين. وتعبيرنا عن حاجتنا لا يعني أننا ننتقص من أهمية الفعاليات العاشورائية الرائعة التي يبدع فيها أبناء الحسين وأصحابه كل عام من جهادٍ حقيقي وإحياءٍ لا جدال فيه، ولكن لنقول أن تلك المبادرات تساعد على مساندة تلك الجهود المباركة وعلى منع حصول ثغرات في مجالات عديدة على هامش الإحياء، خاصةً على صعيد البيئة وغيرها من أنماط السلوك، وفي بعض المفاهيم التي تتعارض مع عظمة الإمام الحسين(ع) وعظمة ثورته وعظمة أصحابه الجامعين لكل صفات الكمال.

إننا نُحَيِّي تلك المبادرات ونتمنى أن تتزايد وتحافظ على سموها ونقائها وحرصها على المعاني الكربلائية الحقيقية، أكمَلِهَا وأَنصَعِها وأرقاها، والمعاني الإنسانية الحضارية، ونتمنى على إخواننا المواطنين كافة أن يتعاونوا معها لتحقيق أهدافها السامية. وإن إحياء قيمة “التعاون” في مجتمعنا، والتكامُل مع المجاهدين الذين ساروا على درب الحسين وجوهر مقاصدهم مرضاة الله وخدمة الناس، والمؤازوة في تحصين المجتمع والوطن من الانحرافات والفتن.

 

الأحد 20 آب 2023