تحسن طفيف”… تقرير “بنك عودة” للفصل الثاني من 2023

أشار تقرير بنك عودة للفصل الثاني من العام 2023 إلى أنّ النصف الأول من العام اتسم بالاتجاهات التالية:
-امتداد المراوحة السياسية وسط شغور رئاسي مستمر منذ تشرين الأول 2022، واقتصار انعقاد جلسات حكومة تصريف الأعمال على البحث في الأمور الطارئة، وجمود العمل التشريعي في المجلس النيابي.

-تحسّن طفيف في أداء القطاع الحقيقي نتيجة الارتفاع البسيط في الاستهلاك الخاص بينما يبقى الاستثمار الخاص واهناً. إن التحسّن في القطاع السياحي خصوصاً ساهم في دعم الاستهلاك المحلي بشكل عام.
– استقرار الأوضاع النقدية منذ آذار الفائت، والذي ترجم استقراراً في سعر صرف الليرة في محيط الـ90000 للدولار الواحد نتيجة التدخل المستمر لمصرف لبنان بائعاً للدولار النقدي عبر منصة “صيرفة”.
-تفاقم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على الأسر في ظل بلوغ نسبة البطالة أكثر من 30%، في حين وصل التضخم إلى 300% في حزيران، ما أدى إلى تضخم تراكمي يفوق الـ4600% منذ اندلاع الأزمة.
ولفت التقرير إلى أنّ “تحليل الأداء الاقتصادي خلال الأشهر الأولى من العام الحالي يظهر أنّ مؤشرات القطاع الحقيقي جاءت كانعكاس للأداء المتفاوت للاقتصاد عموماً، مع توجهها نحو تصحيح تصاعدي طفيف ولا سيما على صعيد التجارة والخدمات. ومن بين المؤشرات التي سجّلت نمواً إيجابياً خلال النصف الأول من العام نذكر على سبيل المثال لا الحصر عدد المسافرين عبر مطار بيروت (+23.2%) وحجم البضائع المستوردة عبر المطار (11.5%) وعدد السياح (+29.0%) وحجم البضائع في مرفأ بيروت (+1.9%). أما من ضمن المؤشرات التي سجلت انكماشاً خلال النصف الأول من العام 2023، فنذكر الشيكات المتقاصة التي سجّلت تقلصاً نسبته 51.3%”.
وكشف أنّ، “على صعيد القطاع الخارجي، ظهر فائض في ميزان المدفوعات بقيمة 1.2 مليار دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2023، والذي أعقب عجزاً مقداره 3.2 مليار دولار في العام 2022. ويعزى هذا الفائض إلى نمو الموجودات الخارجية الصافية لدى المصارف بقيمة 2 مليار دولار في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، والذي ترافق مع تقلص في الموجودات الخارجية الصافية لدى مصرف لبنان بقيمة 0.8 مليار دولار. وقد نجم التقلص في الاحتياطيات الأجنبية لدى مصرف لبنان عن تدخل المركزي في سوق القطع عبر منصة “صيرفة” عملاً بالتعميم رقم 161 الصادر في نهاية العام 2021. هذا وتتوقع وزارة السياحة دخول نحو 9 مليار دولار في العام 2023 مع وصول عدد السياح إلى 2.2 مليون سائح”.
وأشار إلى أنّه، “على صعيد القطاع المصرفي، فقد تقلصت ودائع الزبائن من 168.4 مليار دولار في نهاية تشرين الأول 2019 إلى 97.3 مليار دولار في نهاية أيار 2023، أي بنسبة 42%. فقد تقلصت الودائع المصرفية بالعملات بنحو 30.4 مليار دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2023 لتبلغ زهاء 93.5 مليار دولار، بينما انخفضت الودائع المصرفية بالليرة بقيمة 5.7 ترليون ل.ل. لتبلغ زهاء61.7 تريليون ل.ل في نهاية أيار 2023. عليه، ارتفعت دولرة الودائع من 73.4% في تشرين الأول 2019 إلى 95.8% في أيار 2023. هذا وقد واصلت المصارف اللبنانية خفض رافعتها الاقتراضية منذ اندلاع الأزمة. إذ تراجعت محفظة التسليفات للقطاع الخاص من 54.2 مليار دولار إلى 9.5 مليار دولار، أي ما نسبته 82.5%. توازياً، أظهرت المجاميع المصرفية تقلصاً في الأموال الخاصة للمصارف من 20.6 مليار دولار في نهاية تشرين الأول 2019 إلى 5.2 مليار دولار في نهاية أيار 2023، نتيجة الخسائر المصرفية الصافية خلال الفترة المغطاة. وتتأتى هذه الخسائر عن تكاليف القطع الباهظة، وارتفاع الأعباء التشغيلية العائدة الى التضخّم الملحوظ، إضافة إلى متطلّبات رصد المؤونات التي تواجهها المصارف اللبنانية لجبه المخاطر السيادية ومخاطر القطاع الخاص بشكل عام”.
وأوضح التقرير، “في ما يخص أسواق الرساميل اللبنانية، واصلت سوق الأسهم مسلكها التصاعدي بعد سنتين متتاليتين من الارتفاعات الملحوظة في الأسعار. إذ قفز مؤشر الأسعار بنسبة 23.0% في النصف الأول من العام 2023، بعد نمو نسبته 37.2% في العام 2022، بدفع من زيادات في أسعار أسهم “سوليدير”. ويأتي ارتفاع الأسعار هذا العام في ظل زيادة سنوية في أحجام التداول بنسبة 4.9%، من 194 مليون دولار في النصف الأول من العام 2022 إلى 204 مليون دولار في النصف الأول من العام 2023. عليه، تراجع معدل دوران الأسهم (المحتسب على أساس قيمة التداول السنوي إلى الرسملة السوقية) من 2.7% إلى 2.3% خلال الفترة المغطاة”.
هذا وقد أصدر صندوق النقد الدولي في نهاية النصف الأول من العام 2023 تقريره حول المهمة التشاورية حول لبنان بموجب المادة الرابعة وذلك للمرة الأولى منذ العام 2019، والذي جاء بنّاءً إلى حدّ بعيد وفق بنك عودة. فمن ناحية أولى، قدّم التقرير وصفاً جيداً للأزمة ونتائجها، كما سلّط الضوء بتأنٍ على المسؤوليات والتحديات. ومن ناحية أخرى، طرح التقرير بشكل موضوعي متطلبات الخروج من الأزمة، ولا سيما من خلال توصياته بشأن السياسة المالية والسياسة النقدية والإصلاحات المصرفية.
وختم تقرير بنك عودة بالقول إنّ “مسألة الاقتصاد النقدي المستجدّ والتحدّيات التي تحيط بها تشكّل اليوم تهديداً أساسياً للبنان، نظراً للمخاطر والصعوبات التي تنطوي عليها. وتفيد تقديرات البنك الدولي أن الاقتصاد النقدي بلغ 9.9 مليارات دولار أميركي عام 2022، أي ما يعادل 46% من إجمالي الناتج المحلي. ويأتي نمو الاقتصاد النقدي على حساب الوساطة المالية في البلاد. ثم أن إضعاف الوساطة المالية ونمو الاقتصاد النقدي يتمّان على حساب الإنتاج والدخل الفردي، وبالتالي، على حساب استحداث الوظائف. في موازاة ذلك، عندما ينمو الاقتصاد النقدي، ينمو الاقتصاد غير النظامي مع كل المساوئ التي ترافقه، من تبييض الأموال الى التهرّب الضريبي. وعلى نحوٍ لا يقلّ أهميّةً، عندما يزداد الحجم النسبي للاقتصاد النقدي تضعف فعاليّة السياسات المالية والنقدية، الأمر الذي ينال من قدرة السياسة على بلوغ الأهداف المحدَّدة”.
وأكّد التقرير أنّ “هذه مسألة مهمّة جداً في لبنان، خصوصاً أن النشاط الاقتصادي يرتكز حالياً وبصورة أساسية الى عملة أجنبية، مع ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر اقتصادية ونقدية. ولجميع هذه الاعتبارات، يقتضي على الدولة بمجملها أن تُعدّ خطة إنقاذ شاملة اقتصادية ومالية، من شأنها أن تستعيد دور القطاع المالي بما هو وسيط أساسي في البلاد، ما يضمن خلق قيمة مضافة اقتصادية والنهوض المطلوب على المدى المتوسط والبعيد”.