حرب “ناعمة” تطيح بالتشكيلات القضائية !

لم يتأخّر كثيرًا ردّ مجلس القضاء الاعلى على وزيرة العدل ماري كلود نجم التي “بقّت” بحصة تسليمها بأن التشكيلات القضائية التي مُهِرت بتوقيع المجلس بالإجماع أتت على قاعدة “المحاصصة وتدوير الزوايا” في اتهام صريح يعكس حجم الاحتقان بين رئيس مجلس القضاء الاعلى وأعضائه وفريق رئاسة الجمهورية تتصدّره وزيرة العدل ومن خلفها الوزير السابق سليم جريصاتي.

هي حربٌ “ناعمة”، بتقدير مصدر قضائي بارز، قد تطيح بالتشكيلات في حال لم تقتنع قوى السلطة، ممثلة بوزيرة العدل أو رئاسة الجمهورية وفريقها السياسي، بأن لا تشكيلات مثالية. والخطأ في التقدير واردٌ. وبأن هذه التشكيلات مقارنة بعام 2017 تعتبر قفزة إصلاحية كبيرة على الطريق الصحيح. ويكفي أنها أنجِزت بعيدًا من معايير العهود السابقة في اختيار القضاة”.

الوزيرة نجم ذهبت في مقابلتها التلفزيونية الأخيرة في “معايرتها” لمجلس القضاء الاعلى بعيدًا حين ذكّرت أعضاء المجلس أنهم نتاج تعيين سياسي لا انتخابي من الجسم القضائي، وذلك في ردٍّ على من اتّهمَها، كسلطةٍ سياسية، بالتدخّل في عمل سلطة قضائية.

في هذا السياق، سجّل مجلس القضاء الأعلى في البيان الذي اصدره استغرابه “لأن تصبح آليّة تعيين أعضاء المجلس المنصوص عليها في القوانين النافذة المرعية الإجراء، مأخذًا على مجلس القضاء الأعلى، بقصد اتّهامه جزافًا بالتبعية للسلطة التي عيّنت، ومن دون النظر إلى أدائه ونتيجة عمله”.

وقد ذكّر المجلس وزيرة العدل أّنّه “انكبّ على إعداد مشروع التشكيلات القضائية بكلّ إلتزام وجديّة في دراسة ملفّ كل قاضٍ، وإجراء مقابلات مع عددٍ منهم عند الضرورة، وذلك بعيدًا من أي تدخلات من أي نوعٍ كانت، مُستلهِمًا ومكرّسًا مبدأ استقلالية السلطة القضائية قولًا وفعلًا وليس مجرّد شعار”.

كما ردّ المجلس كرّة نار اتهامه بتسييس التشكيلات بدعوة وزيرة العدل الى “إعطاء مشروع التشكيلات القضائية مساره القانوني الواجب التطبيق، من خلال توقيعه وإحالته على المراجع المختصّة، مرفقًا بأسبابه الموجبة وبالملاحظات والردّ عليها”.

وكانت وزيرة العدل قد استبقت هذه الدعوة باعترافها أن الأولوية اليوم ليس للتشكيلات القضائية في ظل أزمة تفشّي وباء كورونا وحالة التعبئة العامة، ومع ذلك أكّدت ليل الاثنين عزمها، بعد الانتهاء من ملفّ القضاة العسكريين (ردّ وزيرة الدفاع في شأن الاستشارة التي طلبتها من هيئة التشريع والاستشارات) إحالة التشكيلات موقّعة منها مع الملاحظات التي وضعتها سابقًا الى باقي الوزراء، “مع تمنّيها بأخذ رئيسيّ الجمهورية والحكومة بملاحظاتها”!

لكن مصادر قضائية تَصِف كلام وزيرة العدل في هذا السياق بـ “الهرطقة”، مؤكدة أن “وفق قانون التنظيم القضائي يصدر مرسوم التشكيلات القضائية عن وزير العدل. وهذا يعني أن كافة التواقيع الأخرى شكلية. فالنصّ واضحٌ، من يقوم بالتشكيلات هو مجلس القضاء الاعلى، ثم يرفعها الى وزير العدل، ويمكن أنّ يردّها الأخير مع ملاحظاتٍ. فإما يأخذ بها المجلس كاملة أو بجزءٍ منها، أو يرفضها كما فعل المجلس الحالي، ونقطة على السطر. وفي هذه الحال يضعها وزير العدل في الجارور أو يوقعها ويحيلها لنيل باقي التواقيع”.

وتوضح المصادر “أنّ قانون التنظيم القضائي لم يعطِ رئيسيّ الجمهورية والحكومة ولا وزير الدفاع ترف طلب درس الملاحظات على التشكيلات أو الأخذ بها”، مؤكّدة “عدم جواز إحالة وزيرة العدل التشكيلات مع ملاحظاتٍ سبق أن رفضها مجلس القضاء الأعلى برمّتها”.

وزيرة العدل لم تخفِ “خيبة أملها من التشكيلات، فـ”تطلعاتنا كانت أكبر مع الريّس عبود، وكنت أفضّل أن نذهب بهذه التشكيلات أبعد بكثير”.

وقبل أن تعمد نجم الى رفع السقف بوجه مجلس القضاء الأعلى تحصّنت بجواب هيئة التشريع والاستشارات في وزارة ‏العدل، (رأي غير ملزمٍ)، على سؤال وزيرة الدفاع زينة عكر حول مدى قانونية عدم أخذ مجلس القضاء الأعلى بالمادة 13 من قانون القضاء العسكري والتي تنصّ على أن “القضاة العدليين لدى المحاكم العسكرية يعيّنون من قضاة الملاك العدلي بمرسوم بناءً على اقتراح وزيرَي العدل والدفاع الوطني وبعد موافقة مجلس القضاء الأعلى”.

وفق المعلومات، الإستشارة التي طلبتها وزيرة الدفاع من هيئة التشريع والاستشارت في شأن المادة 13 لا تزال عالقة عند مدير عام وزارة العدل القاضية رولا جدايل. وحتى الآن لم يعرف إذا ستوافق عليها، كما وردت من رئيسة هيئة التشريع والاستشارات القاضية جويل فواز، وتحوّلها الى وزيرة الدفاع. أو سترفضها، ويمكن في هذه الحال أن تطلب إجتماع الهيئة العليا لدرس الاستشارة والبتّ فيها”.

وعمليًا، إنّ الاستشارة الصادرة عن هيئة التشريع والاستشارات والتي أفتت بوجوب أخذ مجلس القضاء الأعلى بالمادة 13 ليست علنية أو نافذة بعد. إذ على رئيسة هيئة التشريع والاستشارات أن ترفعها الى مدير عام العدلية القاضية جدايل، وبإمكان الأخيرة عدم توقيعها وبالتالي عدم إحالتها الى وزيرة العدل في حال لم تقتنع بها. ويمكنها أيضًا أن تطلب عقد جلسة للهيئة العليا في وزارة العدل المؤلفة من الاعضاء المدير العام، رئيسة هيئة التشريع والاستشارات، ورئيسة المعهد القضائي (ندى دكروب)، ورئيسة هيئة القضايا (هيلانة اسكندر). ويمكن أن تطرح الاستشارة على التصويت. وبمطلق الأحوال، كيفما أتى رأي هيئة التشريع والاستشارات فهو غير ملزمٍ لمجلس القضاء الأعلى.

وتلفت مصادر قضائية الى أنّ المادة 13 من قانون القضاء العسكري صدرت عام 1968 وهو نصٌّ خاص. فيما قانون التنظيم القضائي، وهو نصٌّ خاص أيضًا صدر عام 1983، وجاء فيه أن “التشكيلات القضائية تصدر بمرسوم عن وزير العدل، ما يعني أن كافة التواقيع الأخرى هي شكلية ولا يجوز لأي منهم مصادرة التشكيلات، فضلًا عن أنّ استقلالية القضاء لا تستقيم مع هكذا مادة تشرّع التدخل السياسي”.

المصدر: ليبانون ديبايت