لا بنزين بعد اليوم!

باتَ يمكن القول، أن لا قرار “مجوز – مفرد” ينفع في لجم اللبنانيين عن الشوارع ولا إعلان حالة الطوارئ، أقصى ما يجب فعله هو البحث عن الطرق التي يستغلها المواطنون في تجاوز قرار “التعبئة العامة” وإغلاقها عن بكرة أبيها.

من الواضح، أن الدولة تتجه أو تكاد إلى حسم الأمر عبر إنتهاج عدّة معايير إستثنائية تندرج تحت خانة “الخيارات الصعبة” أو تسمى كذلك في ضوء حالة التفلت الحاصلة.

لقد إعتادَ اللبناني على خرق القانون لا بل يجد متعة في التصرف من فوقه، هذا الأمر مثل حالة إشتباك متنوعة بين المواطنين وعناصر قوى الأمن حين دخل القرار حيّز التنفيذ، وليس سرًا أن رجال الأمن لحظوا غياب الالتزام بالحد المعقول من قبل المواطنين الذين لجأ قسمٌ كبيرٌ منهم إلى تفسيرات مختلفة من أجل تبرير أسباب خرق الحجر!

زِد على ذلك، أن الساعات التي تخللها تنفيذ القرار، لحظت حركة تنقّل شبه طبيعيّة، إذ أن اللبناني “الحربوق” قوَّل القانون ونقله من إطارٍ تنظيميٍّ إلى مسألةٍ فيها وجهة نظر تمثل بالنسبة إليه فرصة “مقوننة” للتفلّت من قبضةِ “الحجر”.

في زمنِ الحرب لجأ اللبنانيون الى الاستثناء. قسمٌ منهم كان يحصي مواعيد سقوطِ القذائفِ ومناوباتِ القنّاصين معتمدًا عليها في تحديدِ توقيتِ خروجهِ من المنزل، كذلك يفعلون الآن في زمن “كورونا”، يبتكِرون أساليب متعدِّدَة تحت أسبابٍ شتّى لتبرير التجاوز.

على العموم، خرق القانون أضحى سمة تجلب السعادة. الدولة بأمها وأبوها تقف اليوم حائرة عاجزة عن إجبار مواطنيها على الامتثال لقراراتها رغم أنها تسلقت سلم “التعبئة العامة” من تحديد فترات التجوّل وصولًا إلى شبهِ إعلان حظرٍ للتجول، حتى أنها لجأت إلى القوانين ذات التركيبة “الهجينة” لكن ثَبت أنها هي الأخرى لا تؤتِ نفعًا.

لا شك بأن رهان وزارة الصحة الحالي في ضبط حركة إصابات “كورونا” يقوم في درجةٍ أساس على إلتزام المواطنين “الحجر المنزلي”، لكن أوساط الوزارة لا تخفي استيائها من الخروقات الشديدة التي تحصل، خاصة لناحية عدم إلتزام مضامين “التعبئة العامة” وبقاء موضوع التجوّل على متن المركبات على حالهِ، ما يؤسِّس لنضوجِ ظروفِ “ضربةٍ كورونية قاضية” قد تأتي على الانجازات كلها التي راكمتها الوزارة حتى الآن، وطالما أن إمكانيات المواجهة لغاية الآن ما زالت غير متوفرة تعتقد أن الحل يكمن في اللجوء إلى قائمةٍ من الخيارات الصعبة.

طبعًا، هناك إختلافٌ في الرأي يقوم على تفسير ما هي الخيارات أو الإجراءات الصعبة التي يجب اللجوء إليها بالضبط.

هناك قسمٌ يتوزَّع بين جانب ممثل في مجلس الوزراء وآخر يُصَنَّف ضمن المعارضة يدعو إلى إعلان حالة الطوارئ كحلٍّ للوضع الراهن، لكن النقض يأتي من أصحاب الكار، أي العسكر في معظمهم، الذين لا يجدون مسوغًا قانونيًا واضحًا يتيح إعلان حالة الطوارئ ضمن مفهومه الواسع الملحوظ في القانون لاعتباراتٍ عدة منها ما يتصل بقدراتِ المؤسسة.

أمرٌ من هذا القبيل يتيح نمو الاجتهادات القانونية بين ما يقول بتحرير “قانون الطوارئ” وإسقاطه على الحالة الراهنة مع اختلافاتٍ تؤدي غرض تجميد بنود والإبقاء على أخرى سارية المفعول، وبين وجهة نظر أخرى تقول بعدم صلاحية التلاعب بأية بنود أو إنتقاء ما يسهل منها، وهذا النقاش الدستوري طويلٌ وشائكٌ يقود إلى وجود “عقدة” لا يمكن حلها في المدى المنظور.

لذا، فالخيار الراهن يكمن في العودة إلى إرشاداتِ أكثر من طرفٍ مسؤول تقتضي باللجوء إلى إعتماد “الخيارات الصعبة” التي يشبهها البعض بفرضِ حالة إقامة جبرية على المواطنين أو على نحوٍ أدق، قطع الشرايين الحيوية التي يستغلها المواطنون في تبرير تجاوزهم للقانون.

التنقّل هو واحدٌ من الشرايين، حيث تمثل حركة السير في لبنان ما نسبته 95% تعتمد بشكل رئيسي على المركبات الآلية العاملة على البنزين، ما يعني أن المركبات تتحمَّل مسؤولية بنسبة 95% في خرق قانون التعبئة العامة، وبالتالي يتحول البنزين إلى مطلوبٍ للعدالة!

هناك رأي يُصار الى صياغته على نحوٍ دقيقٍ، يدرس الفوائد المترتبة عن وقف حركة السير بإعتماد فقط على مبدأ إغلاق محطات بيع الوقود في كافة المناطق اللبنانية وإخضاعها إلى سلطة المراقبة من قبل الاجهزة المعنية، مع ترك مجال للاستثناءات طبعًا المقترح اعتمادها ضمن القائمة التي أصدرتها وزارة الداخلية، أي استثناء العاملين في القطاعات الغذائية – الصحية – العسكرية والصحافية.

يعتقد المروجون لهذا القرار، أن إتخاذ قرارٍ مماثل له القدرة على ضبط الشارع بنسبة لا تقل عن 95%، وفي تصورهم هذا يعتمدون على النتائج التي ظهرت حين أعلن أصحاب محطات الوقود الإضراب والتوقف عن بيع المحروقات خلال الأشهر الماضية، ما تسبب بتوقف الحركة في الشارع.

تأتي مسألة عزل المناطق عن بعضها في المستوى الثاني من الإجراءات. الفكرة تقول بتكليف الجيش بناءًا على مرسوم إعلان التعبئة العامة الصادر عن رئيس الجمهورية تولي مهمة إغلاق نقاطٍ عسكرية اساسية تفصل بين المناطق بشكلٍ كاملٍ (الاولي، المدفون، ضهر البيدر..الخ) وترك استثناءات تتولى الوزارات المعنية وضع قوائمها، أي بمعنى أوضح تحويل الحواجز العسكرية إلى معابرٍ عسكرية.

المصدر : ليبانون ديبايت