بقعة ضوء صناعيّة لبنانيّة في زمن كورونا

ولو على طريقة مصائب قوم عند قومٍ فوائد، يعيش بعض الصناعة اللبنانية ازدهاراً في هذه الأيام بفعل الوقاية من فيروس كورونا. ولهذا الازدهار قصّة.نجح وزير الاقتصاد والتجارة السابق رائد خوري، في شهر حزيران من العام ٢٠١٨، بإقناع مجلس الوزراء بإقرار وإصدار قرار ​بناءً على اقتراح تقدّم به بمنع دخول مختلف أنواع “البسكويت” ومواد التنظيف التركية المنشأ الى لبنان، وتبلغ وارداتها حوالي ٣٠ مليون دولار سنويّاً.

حينها، “قامت الدنيا ولم تقعد” من الجانب التركي. اتصل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بالرئيس سعد الحريري الذي اتصل بدوره بخوري، واستنفر السفير التركي في لبنان العدة مسجلاً اعتراضه لدى وزير الاقتصاد اللبناني، مع التلويح بأنّ تركيا ستعامل لبنان بالمثل وستوقف استيراد كافة المنتجات اللبنانية، إضافةً الى التلويح بأنّ هذا القرار ستكون له تداعيات سلبية على العلاقات التجارية بين لبنان وتركيا. كما تمّ إرسال فريق فنّي من وزارة الاقتصاد والتجارة التركية لعقد اجتماعات مشتركة مع وزارة الاقتصاد اللبنانية لحثّ رائد خوري على التراجع عن قراره.

وحاول السفير التركي مجدداً، مجنداً كافة علاقاته مع المسؤولين اللبنانيين، عاقداً لقاءات عدة مع خوري لثنيه عن موقفه تحت مقولة ان لبنان لا يستطيع الدخول في مواجهة تجارية – اقتصادية مع تركيا، خصوصاً أنّ مثل هذا القرار يعتبر سابقة في تاريخ الحكومات اللبنانية.إلا أنّ خوري بقي متمسكاً بموقفه، رافضاً الضغوط التي مورست عليه وشارحاً للجميع، وخصوصاً للحريري وللجانب التركي من السفير الى وزير الاقتصاد والوفد الفني ان “أسعار السلع التركية في الاسواق اللبنانية أصبحت أدنى من أسعار مبيعها في تركيا، وباتت تهدّد استمرارية المعامل اللبنانية التي تنتج هذه السلع. كما أدّى هذا الأمر الى تضاعف حجم الواردات التركية الى لبنان فأصبحت تهدّد قطاعات إنتاجية لبنانية بكاملها، مع ما يؤدي ذلك الى تشريد آلاف العائلات اللبنانية وزيادة معدلات ​البطالة​”.

وأكد خوري للجميع أنّ “هذا القرار لا يحمل أي خلفية سياسية، لكنّ المنع اقتصادي تجاري بحت ويهدف فقط الى حماية الانتاج الوطني، بعد ان وضعه خوري في خانة “الضرورة المرحلية”، على اعتبار أن القرارات الحاسمة والمسار الذي ستسلكه الحكومة وقتها “يفترض أن يتقرّر في ضوء الخطّة الاقتصادية التي وضعتها  ماكينزي”.أراد خوري آنذاك ان يخلق سابقة في إدارة موضوع الاستيراد عبر إنشاء عوائق مادية ولوجستية لبعض السلع المستوردة التي يمكن أن تصّنع في لبنان، علماً أنّه عمل على مشروع زيادة الرسوم الجمركية على ٢٥ سلعة أخرى.كما آمن بتنشيط بعض الصناعات المحلية عبر إجراءات حماية وتحفيز لما لها من أهمية إيجابية على ميزان المدفوعات، مع تأمين فرص عمل وضمان نمو مستدام للناتج المحلي.

و اليوم، في زمن كورونا، وفي هذه الظروف التي يتهافت فيها اللبنانيون على شراء أدوات التعقيم ومواد التنظيف، وقد زاد الطلب عليها بشكل لافت وكلها من صناعة لبنانية وبجودة عالية وبأسعارٍ مقبولة، تظهر أهميّة القرار الذي اتُّخذ قبل سنوات في حماية مصالح المنتجين اللبنانيين والدفاع عن الإنتاج الوطني.

المصدر:Mtv