سوق السلاح في الأزمة: ازدهار لا انهيار

سابقاً، كان السؤال يُطرح على الشكل الآتي: من يملك سلاحاً في منزله؟ الآن بات السؤال بصيغة معاكسة: من لا يملك سلاحاً في منزله؟ فحيازة الأسلحة أضحت أمراً شائعاً لدى اللبنانيين في السنوات الأخيرة. التفلّت وغياب الرقابة، إضافة الى تراجع الأمن الاجتماعي، وكثرة عمليات السرقة و»التشليح»، عوامل ساهمت في تشجيع اللبنانيين على اقتناء الأسلحة وحيازتها

صحيح أن البلد يمرّ بأزمة اقتصادية خانقة، غير أنّها لم تؤثر سلباً على مجال «تجارة السلاح». فعلى عكس العديد من المهن والسلع التي شهدت جموداً وتراجعاً، لم يعرف سوق السلاح هذا الواقع الصعب، بحسب العديد من المطّلعين على واقع السوق.
بسرعة شديدة يفك سعيد (اسم مستعار) سلاحه، ويعيد جمعه مجدداً. يشرح بإسهاب دور كل قطعة في مسدسه. حديثه التفصيلي عن الهيكل والأخمص والسبطانة يؤشّر إلى خبرته الواسعة في عالم السلاح، هو الذي بدأ منذ سنوات طويلة العمل في تجارة السلاح بشكل منقطع، إلى أن تفرّغ له بشكل كلي أخيراً. بعدما بات «بيع قطعة سلاح واحدة يوازي راتب شهر كامل»، لم يتردّد في الاستقالة من الشركة التي كان يعمل بها، والتركيز على بيع الأسلحة.
تغيّر الزبائن
يتحفّظ سعيد عن ذكر الكثير من التفاصيل المتعلقة بعمله، لكنه يذكر الإطار العام للعمل. الأسلحة يتم استقدامها من الخارج من قبل تجار كبار، ويسلّمونها إلى وكلاء لهم خبرتهم الطويلة في هذا المجال. يعمد الوكلاء بدورهم إلى بيع الأسلحة إلى تجار محليين يتولون بيعها للزبائن. بالنسبة إلى سعيد، لم تختلف نسبة الزبائن، بقدر ما اختلفت نوعيتهم. سابقاً كان المشترون بأغلبيتهم الساحقة من هواة جمع الأسلحة وممن لديهم اطّلاع واسع على كلّ ما يتعلق بالسلاح. أما زبائن اليوم، فعدد كبير منهم يقتني السلاح للمرة الأولى، «بعضهم ما بيعرف يسحب المشط»، يقول سعيد، الذي يلاحظ أن هذه الفئة تميل إلى شراء الأسلحة الجديدة والمختومة على حساب الأسلحة المستعملة، وذلك خوفاً من أن تكون تلك الأسلحة قد استُخدمت في حوادث أو جرائم سابقة.
ما يذكره سعيد يؤكد أن قسماً من اللبنانيين باتوا يجدون في السلاح وسيلة للحماية في ظلّ تضاعف عمليات النشل والسرقة والقتل، وبالتالي هم يقتنون السلاح، لا هواية بالسلاح، بل ظناً منهم أن السلاح قادر على حمايتهم في ظلّ عجز أجهزة الدولة في الفترة الأخيرة. وفي هذا السياق يعترف سعيد أن ظروف عمل تجّار السلاح أصبحت أسهل وأكثر راحة عما كانت عليه قبل الأزمة، حتى إن البعض منهم بات يتجرأ على عرض أسلحته على مواقع التواصل و»ستوريات الواتسآب». هذا الكلام لا يخفي حقيقة أن عمل هؤلاء محفوف بالمخاطر دائماً، إذ تعمد القوى الأمنية في كثير من الأحيان إلى مداهمة منازلهم واعتقالهم ومصادرة «بضاعتهم».
ارتفاع الأسعار
عند بدء الأزمة، اعتقد البعض أن أسعار السلاح ستنخفض، نظراً إلى أن الأسلحة يتم تسعيرها بالدولار فضلاً عن تراجع القيمة الشرائية لدى اللبنانيين. لكن هذا الأمر لم يحدث، إذ حافظت بعض الأسلحة على أسعارها مقابل ارتفاع أسعار أسلحة أخرى، نتيجة تزايد الطلب عليها.
حالياً، يصعب العثور على مسدس بمبلغ يقلّ عن ألف دولار أميركي، وبطبيعة الحال يتفاوت ثمن المسدسات باختلاف نوعها وجودتها. سعر المسدسات الجديدة ذات الإصدار الحديث أغلى من الإصدارات الأقدم. في لبنان تلقى مسدسات «الغلوك والتوغاريف والـ14 وتسعة ستار والفايكنغ الروسي» رواجاً وإقبالاً كبيرين، ما يرفع أسعارها نتيجة كثرة الطلب ومحدودية العرض في بعض الأصناف. أما بالنسبة إلى الرشّاشات الحربية، فلا صوت يعلو على صوت سلاح» الكلاشينكوف»، إذ يُعتبر من أكثر الأسلحة مبيعاً في السوق اللبنانية. وللسلاح المذكور أشكال عدة، أرخصها ما يسمى شعبياً بـ»كلاشينكوف أبو خشبة»، الذي يُقدّر سعره بنحو 700 دولار، أما الأنواع الأخرى منه كالأخمس الحديدي والروسي دائرة 11 فثمنها أعلى. أما بندقية الـM4 فهي غالباً للميسورين مادياً، إذ يتجاوز سعرها 4000 دولار.
ارتفعت أسعار الذخائر أيضاً. فرصاصة المسدس بات سعرها نحو 20 ألف ليرة، في حين أن رصاصة الكلاشينكوف ارتفع سعرها من 500 ليرة إلى نحو الـ10 آلاف ليرة، أما قذيفة «الآر بي جي» فيبدأ ثمنها من 50 دولاراً. تشير هذه الأسعار إلى كمّ الأموال التي «تُحرق» جراء إطلاق النار ابتهاجاً أو بسبب الاشتباكات الفردية والعائلية التي تجري في مناطق لبنانية مختلفة، فمن خلال عملية حسابية بسيطة يتبين أن بعض الاشتباكات التي تدوم لعدة ساعات تكلف آلاف الدولارات نتيجة استهلاك الأسلحة والذخائر وحتى القذائف في بعض الأحيان. أخيراً بات إطلاق مشط رصاص يعادل الحد الأدنى للأجور، لذلك فإن شراء الأسلحة واستخدامها من قبل الطبقات الفقيرة أمرٌ لم يعد متاحاً. من جهة ثانية، ارتفاع ثمن الأسلحة، ينفي فكرة أن من يسرق تحت سطوة السلاح إنما يفعل ذلك بدافع الحاجة والجوع. ذلك أن بيع السلاح كفيل بأن يسمح لصاحبه مثلاً بشراء دراجة نارية يعمل عليها، أو إنشاء بسطة متواضعة يسترزق منها.
لا رخص قانونية
رغم أن قانون الأسلحة والذخائر يفرض على حاملي الأسلحة الحصول على ترخيص من قبل وزارة الدفاع، فإن عدداً كبيراً من اللبنانيين يخالف القانون ولا يعمد إلى ترخيص سلاحه، ما ينعكس سلباً على صعيدي تفلّت السلاح وارتفاع مستوى الجرائم. في‏ لبنان يوجد نحو مليوني قطعة سلاح بحسب موقع small army survey وهو موقع متخصّص بإحصاءات السلاح في العالم. فمن أصل 100 شخص في لبنان، يحمل 32 منهم السلاح بحسب الموقع. وإذا ما افترضنا أن متوسط سعر قطعة السلاح يفوق الألف دولار، يتجاوز إجمالي قيمة السلاح في لبنان مبلغ الملياري دولار. وبالتالي يمكن القول إن لبنان، الفقير اقتصادياً، غني على صعيد الأسلحة التي عرف سوقها ازدهاراً لا انهياراً، في ظلّ الانهيار الكبير.

الأخبار