كتبت جيسيكا حبشي في موقع mtv:
بالبنزين، عبَّرَ مُتقاعدٌ منذ أيّامٍ قليلة عن حرقةٍ في قلبه، بعدما سكب المادّة على جسمه لإحراق جسده تعبيراً عن غضبه على ما بات يُساويه راتبه التّقاعدي الذي يحصل عليه شهريّاً “بالقطّارة” من المصرف.
من غير المُستبعد أنّ تتكرَّر هذه الحادثة في الأيّام المُقبلة، ومن غير المفاجئ أيضاً أن نسمع عن وفاة متقاعدين بأزمات قلبية وجرّاء وعكات صحيّة، بعد خسارتهم لتعويضاتهم وتدنّي قيمة رواتبهم وفقدانهم لأبسط مقوّمات العيش والضمان الصحّي والإستشفائي، وهم في خريف العمر وعلى أبواب شيخوخةٍ قد لا يعرفونها.
يروي مروان خ. وهو ضابط مُتقاعدٌ في قوى الأمن الداخلي، كيف تغيّرت حياته بفعل الأزمة وانخفاض قيمة الليرة اللبنانيّة: “بعد خدمة طويلة في السلك العسكري وتضحيات كبيرة، لم أكن أتصوّر يوماً ألا يكفيني راتبي لشراء الطعام والدواء لي ولزوجتي، والأسوأ أنّه حتّى الطبابة والإستشفاء لم يعودا مؤمّنين، وبتنا نعيش في خوف دائم من المرض والعوز خصوصاً إذا استمرّت العملة الوطنية بالإنهيار”.
وأضاف، في حديث لموقع mtv: “في السابق، كانت هذه الرتبة تؤمّن حياة كريمة لأيّ مواطن مع عائلته، أما اليوم، فالضابط في السّلك أو حتى المتقاعد يعيش حياة تقشّف وفقر بسبب فساد الحكّام وما أوصلونا إليه، وراتبي التقاعدي بات يساوي 150 دولاراً فقط، وتعويضي الذي وضعته في المصرف للحالات الطارئة قد تبخّر”.
وفق الباحث في الدوليّة للمعلومات محمّد شمس الدين، “يبلغ عدد المتقاعدين في القطاع العام 124 ألفاً وأغلبهم من العسكريّين والأساتذة، وعددٌ كبيرٌ منهم يتقاضى رواتب شهريّة بالإضافة الى تعويضٍ وذلك وفق سنوات الخدمة”، معتبراً، عبر موقع mtv، أنّ “أوضاع المتقاعدين في لبنان باتت سيئة جدّاً، والتحدّي الأكبر أمامهم هو الطبابة والإستشفاء خصوصاً وأنهم معرّضون أكثر للمرض بسبب أعمارهم، وهنا الكارثة الكبرى”.
متقاعدو لبنان في القطاعين العام والخاص “أكلوا الضّرب” وخسروا جنى أعمارهم في لعبة سوداء لا تزال تتحكّم بعملتنا وحياتنا. وفي وقتٍ يحلمُ فيه كلّ كهل في العالم بالتقاعد ويخطّط للسفر والراحة والاستجمام بعد سنوات من العمل والإنتاج، أصبح المُتقاعد اللبناني يحلمُ بتأمين طعامه ودوائه ويعيش عالة على أولاده بدلاً من أن يكون السند الأبدي لهم… فمتى يتقاعد حُكّامنا عن خطّة القضاء على ماضينا ومستقبلنا في آنٍ معاً؟