قصّة الحبوب الأشهر والأكثر تصديراً… وهكذا “تورَّطَ” لبنان

كتبت جيسيكا حبشي في موقع mtv:

 

إزدهرت صناعة وتجارة حبوب الكبتاغون المخدِّرة بشكلٍ كبيرٍ في الشّرق الأوسط في الأعوام المنصرمة وبشكلٍ خاصّ في الـ2021 حيث أشارت آخر التقارير الى أن قيمة تجارة هذه الحبوب بلغت خمسة مليارات دولار. وتُعدّ سوريا المنتج الرئيسي لهذا المخدّر، إلاّ أنّ إسم لبنان بات أيضاً على رأس لائحة الدول المُصنّعة له، ما أدى الى تشويه سمعته والإضرار بعلاقاته مع بلدان الخليج وخصوصاً المملكة العربية السعوديّة.

 

تنشر وسائل الإعلام بشكل شبه يومي أخباراً أمنيّة تتعلّق بضبط الأجهزة الأمنية مخدّرات على مختلف أنواعها، ولكنّ حبوب الكبتاغون بشكلٍ خاصّ هي التي ابتُكرت بإسمها أغرب الطرق والأفكار لتهريبها بالملايين برّاً وبحرّاً وجوّاً الى بُلدانٍ مختلفة… فما هي هذه الحبوب؟ وما سرّ تعاظم صناعتها في لبنان وتهريبها عبره؟

 

يؤكّد رئيس مكتب مكافحة المخدّرات السابق في الشرطة القضائية العميد المتقاعد د. عادل مشموشي أنّ “استعمالَ مُستحضر الكبتاغون قديم العهدِ على المُستوى العالمي، لأن منشأ وتصنيعَ هذا المُستحضر كان في ألمانيا، واستعملت هذه الحبوب في البداية لأغراضٍ طبيَّة، وتحديداً لعلاجِ الاطفالِ الذين يعانون من إفراطٍ في الحركةِ مصحوب بضعفٍ في التركيز الذهني، أما استعمالاته غير المشروعةِ فجاءت على اثر اكتشاف مفاعيله المنبِّهة، حيث شاع استعماله لدى بعضِ الجنود اليابانيّين إبان الحربِ العالميَّة الثانية لمساعدتهم على البقاء متيقّظين لفترة زمنيَّةٍ طويلة نسبيًّا، وانتقلت هذه المُمارسات الى جنود في جيوش أخرى منهم جنودٌ أميركيون وبالتحديد خلال الحرب في فييتنام”، مضيفاً “لم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتى شاع استعمالُهُ بين المدنيّين، وخصوصاً لدى سائقي الشَّاحنات وطلاب الجامعات، بغرضِ إبعادِ شبحِ النُّعاس عنهم لفترات طويلة”.

 

وفي معرض شرحه عن هذا المخدّر، يشير مشموشي الى أنّ “الإمعان في استعمالِ هذه المادَّة المنبهة للجهازِ العصبي أدى إلى اكتشافِ مُضاعفاتٍ فيزيولوجيَّة سلبيَّة على الجهاز العَصبي المركزي، بالإضافةِ الى تبعات نفسية وجسدية تسبّبت في الإدمان على تناوله، ما دفع باللّجنة الدولية للمخدرات والمؤثرات العقليّة الى رفعِ توصيةٍ بمنعِ تناوله على نحو غير مشروع”، موضحاً أنّ “أولى مظاهر تفشي ظاهرة انتاج والتداول غير المشروع بهذا المستحضر كانت في دول جنوب وشرق آسيا، كما بعض دول أوروبا الشرقية ومنها بلغاريا التي كانت تُصنع فيها تلك المستحضرات وتُهرّب إلى دول الخليج العربي عبر تركيا وسوريا والأردن، وما لبثت أن تفشَّت تلك الصناعات غير المشروعة في سوريا، حيث كان يتمّ تهريبها مخفيّة داخل المنتجاتِ السوريَّة التي كانت تُصدَّر إلى دول الخليج العربي عبر الاردن، وبعد ضبط كميات وشحنات عديدة منها، تكثّفت الجهود للحدّ من عمليات التهريب، فعمد المهرّبون، الى التحايل على تلك الأجهزة بتغيير مسار الشحنات، كما عمدوا إلى التضليل بتغيير حقيقة منشأ البضائع التي كانوا يعتمدونها لإخفاء شُحنات المُخدرات عامّة، والكبتاغون بشكلٍ خاص من خلال التلاعب بالوثائق الجمركيَّة وإظهارها وكان منشأها هو لبنان”.

 

ولكن كيف وصلت الى لبنان؟ ردّاً على هذا السؤال، يلفت مشموشي الى أنه “بعد اندلاع الثورة السوريَّة وتشدّد قوات النظام السوري المتمركزة على منافذ العبور الخاضعةِ لها في عمليات التفتيش بحثا عن الاسلحة وغيرها من الممنوعات، عمد تجار ومهربو الكبتاغون إلى تهريب تلك المواد المخدرة إلى داخلِ الاراضي اللبنانيَّة، ليعيدوا تهريبها ثانية إلى دول الخليج العربي”، مضيفاً “نتيجة لعدم إحكام السلطات اللبنانية سيطرتها الامنية على منطقة البقاع الشمالي والمعابر، وتفشي الانشطة غير المشروعة ذات العلاقة بالمُخدرات بالإضافة إلى وجود عددٍ كبيرٍ من المطلوبين للعدالةِ في تلك المنطقة، حيث شكلت بيئة ملائمة للتعاون بين الضالعين في قضايا المُخدرات بين لبنان وسوريا، نُقلت ثقافة تصنيع مادة الكبتاغون إلى داخلِ الاراضي اللبنانيَّةِ لتلقى رواجاً الى جانب رواج إنتاج وتهريب مشتقات القنب الهندي أي الحشيشة”.

 

أمّا بالنّسبة لنشاط عمليات تهريب الكبتاغون من لبنان، فيقول مشموشي: “إنّ مسارات تهريب هذا المخدّر متنوعة بحراً وبراً وجواً، حيث يُصار إلى إخفائها داخلَ المنتجاتِ اللبنانية من خضار وفاكهة، وباقي المواد المصدَّرة من لبنان إلى دول الخليج العربي وفي مقدّمتها المملكة العربيَّة السعودية بأساليب إخفاء متنوعة ومبتكرة، أما عملية كشف الشحنات الملغومة فهي معقدة وتتطلب فطنة ومتابعة وجمع وتحليل معلومات وبيانات جمركية وغير ذلك”، مُشيراً الى أنّ “ازدهار صناعة هذه الحبوب المخدرة في لبنان هي خصوصاً في قضاء بعلبك الهرمل، وذلك بسبب جملة عوامل منها تداخل الحدود بين سوريا ولبنان وسهولة تبادل الخبرات الخاصة بصناعة هذا المخدر في آلات بسيطة، فضلا عن سهولة تهريبه وتصديره عبر المنافذ، أضف الى ذلك ازدياد الطلب عليه لسهولة تناوله”.

 

ورداً على سؤال عن الاجراءات المتّبعة من السلطات اللبنانية لمكافحة صناعة وتجارة وتهريب هذه الحبوب المخدرة، يعتبر المسؤول الأمني السابق أن “التدابير والاجراءات المعتمدة غير كافية، والمطلوب اعتماد مقاربات مدروسة واكثر فعالية”، مُنبّهاً إلى ضرورة إعداد خطة استراتيجية متكاملة لمحاربة هذه الآفة، وتحديث وتفعيل أساليب التفتيش المعتمدة عبر الحدود ومنافذ العبور الرسميَّة وغير الرسمية، وتعزيز مكتب مكافحة المخدرات واعتماد مكاتب فرعية للاستفادة من خبرات العناصر المتخصّصين في القيام بالتحقيقات والمُلاحقات المعمقة اللازمة لكشف الجماعات الاجراميّة المنظّمة وتوقيف الرؤوس المدبرة التي تقف خلفها، وعدم الاكتفاء بضبطِ الشحنات وتوقيف صغار التجّار والمروّجين”.

 

إنّها الحبوب التي دَمَّرت سُمعة لبنان وخَلَقَت عصابات ومافيات لا تُرهبُها دولة ولا يردعُها ضمير… فهنيئاً للدولة العاجزة بصادراتها البيضاء وهنيئاً لنا بالصّيت الأسود…