يونان في رسالة الفصح: لمشاركة واعية وشجاعة في الاقتراع

وجه بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، رسالة عيد القيامة للعام 2022، بعنوان “الصليب درب القيامة”، تناول فيها الأوضاع العامة في لبنان والشرق الأوسط والعالم، والحضور المسيحي فيها وقال: “كما أن الصليب هو الدرب إلى القيامة، نصلي كي يكون صليب شعبنا وأوطاننا المعذبة والمضطهدة قد شارف على نهايته، وكي نعيش في هذا الشرق فرح القيامة، قيامة بلداننا من كبوتها وحروبها العبثية والفساد المستفحل في إداراتها ومؤسساتها، والذي يفقد المواطنين، وأبناءنا منهم، الأمل في بناء مستقبلهم في أرضهم الأم، فيجدون في الهجرة أملا لهم بغد أفضل نتمناه لهم في بلادهم وبين أهلهم وأحبائهم”.

 

وتابع: “يحل عيد القيامة ولبنان لم يقم من عذاباته، إذ تستمر المعاناة والآلام التي سببها السياسيون الطائفيون المستأثرون بحكم الوطن، من جراء الفساد والإهمال والتنكر لمسؤولية خدمة الشعب الذي سبق وانتخبهم. نأمل ونصلي كي تكون الإنتخابات النيابية جسر العبور، بحيث يختار المواطنون بحرية ضمير، دون الرضوخ للإغراءات والاستغلال، ممثليهم في البرلمان من أصحاب الكفاية، وممن يشهد لهم بالنزاهة والاستقامة. وإننا نشجعهم على مشاركة واعية وشجاعة في الإقتراع، لأن خلاص الوطن منوط بصوابية خيار اللبنانيين في الانتخابات النيابية التي يجب أن يليها، دون أي مماطلة أو تعطيل لأي سبب أو مبرر، تشكيل حكومة إنقاذية من اختصاصيين، للبدء بمسار التعافي الاقتصادي والاجتماعي، دون أن نتجاهل ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية في مواعيدها الدستورية، فلا يقع الوطن في فخاخ الفراغ المعطل، لأن لبنان لم يعد قادرا على الاستمرار بتحمل التعطيل والإكتواء بفراغ دستوري رئاسي”.

 

واعتبر أن “كل ذلك يجب أن يترافق مع التسريع في الانتهاء من ملف التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت، ومحاكمة المتهمين والمتورطين، وتحديد المسؤوليات، ورفع الحصانات عن كل من يثبت تورطه في جريمة تدمير العاصمة بيروت، والتي لم يعرف لها مثيل في العصر الحديث”.

 

وشدد على أن “تحرير أموال المودعين وتوحيد سعر صرف العملات الأجنبية تجاه الليرة اللبنانية، ملفات طارئة وعاجلة وضرورية لإعادة الثقة بالنظام اللبناني والمؤسسات اللبنانية الرسمية منها والخاصة، والتي وحدها يمكنها وقف نزيف الهجرة وتشجيع المستثمرين على الاستثمار مجددا في هذا البلد الغالي”.

 

وعن زيارة قداسة البابا، قال: “لنا علامة رجاء في زيارة قداسة البابا فرنسيس إلى لبنان، التي نأمل أن تتم في شهر حزيران المقبل، كي تكون بركة لهذا البلد المتألم والمهدد بمصيره، فلا بد لليل المعاناة والآلام أن يعقبه فجر القيامة والخلاص. وسيذكر قداسته بقيمة لبنان وتميزه بوحدة مواطنيه رغم تعدديتهم، وبضرورة أن ينهض من وهدة الأزمات التي تعصف به على كل المستويات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية، ويعود للعب دوره المميز في محيطه والعالم، غير ناسين ما قام ولا يزال يقوم به قداسته من أجل لبنان من مبادرات للوقوف إلى جانبه ومساعدته في هذه الظروف العصيبة التي أوصله إليها السياسيون والمتحكمون به وبمصير أبنائه.

وعن الحرب السورية، قال: “أنظارنا تتجه إلى سوريا التي ترزح تحت وطأة الحرب العبثية رغم المبادرات الجدية والاتصالات الجارية لإنهاء الصراع الذي دمر البلاد وفتتها. نسأل الرب يسوع القائم من بين الأموات أن يزرع السلام والأمان في أرجاء هذا البلد العزيز، فيعود الشعب المشرد إلى وطنه، ويسهم جميع أبناء سوريا في إعادة إعمار بلدهم، إذ يكفي سوريا والسوريون أن تكون هذه الأرض حلبة تنفذ عليها مشاريع الدول الكبرى على حساب الشعب السوري الأبي الذي لا يريد سوى السلام والاستقرار الدائم في أرضه، لا أن يكون لاجئا في أصقاع المعمورة. وقد زرنا العاصمة دمشق في آذار الماضي، حيث لمسنا، من خلال مشاركتنا في مؤتمر عن خدمة المحبة، العمل الهام الذي تقوم به الأبرشيات والمؤسسات الكنسية في سبيل مساندة المؤمنين في هذه الظروف العصيبة، بمؤازرة مشكورة من الهيئات والمنظمات الكنسية العالمية”.

 

أما عن العراق، فقال: “العراق الذي رغم إنجاز الانتخابات النيابية، لا تزال الصراعات الداخلية فيه تمنع تشكيل حكومة منتجة تنهي حال الفوضى القائمة، وتثبت دعائم بناء الدولة الحديثة، لينعم العراقيون بخيرات بلدهم، ويتخلص وطنهم الغالي من كل الجيوب الإرهابية التي تعكر صفو السلام والأمان الذي يستحقه هذا الشعب الرافض لكل محاولات تقسيمه وتحريض مكوناته ضد بعضها وتأليبها ضد مصلحة بلدها. نصلي كي يتمكن المكوِن المسيحي، وهو مكوِن أصيل في بلاد الرافدين، من متابعة الشهادة لإيمانه في أرضه رغم الصعوبات والتحديات الجمة. وقد سررنا وابتهج قلبنا بزيارة شمال العراق في الأيام القليلة الماضية، حيث شاركنا بفخر واعتزار في التطواف والمسيرة السنوية التقليدية في شوارع بخديدي – قره قوش يوم عيد الشعانين، وسط ما يقرب من عشرين ألف شخص، في مشهد لا مثيل له، يثلج القلوب وينعش النفوس بنفحة الرجاء كي يتجذر أبناؤنا في أرضهم الأم”.

 

وختم يونان: “لا يسعنا إلا أن نجدد صلاتنا بحرارة من أجل إحلال السلام والأمان في العالم، وخاصة على نية إنهاء الحرب المدمرة بين روسيا وأوكرانيا، والتي تهدد السلام والاستقرار العالميين، وتذكرنا بالحقبة السوداء من تاريخ البشرية، بعدما اعتقدنا أنها ولت دون عودة، وأن المجتمع الدولي تعلم من تجارب الحروب العالمية وويلاتها ومآسيها، والتي نعيشها للأسف في شكل يومي ومنذ عشرات السنين في بلداننا المشرقية. كما نضرع إلى مخلصنا المنبعث من القبر من أجل جميع أبنائنا وبناتنا في بلدان الشرق، في لبنان، وسوريا، والعراق، والأراضي المقدسة، ومصر، والأردن، والخليج العربي، وتركيا، وفي بلدان الإنتشار، في أوروبا والأميركيتين وأوستراليا، كي يباركهم ويحفظهم وعائلاتهم، بالأمانة الراسخة ليسوع فاديهم ولتعاليم أمهم الكنيسة المقدسة، رغم التحديات الكثيرة التي يجابهونها”.

 

وفي كلمته الروحية، تحدث يونان عن المصالحة التي حققها المسيح القائم من الموت بصليبه، وعن الصليب كمبعث لفرح القيامة، مؤكدا أن “القيامة هي إعلان الحياة الجديدة بالمسيح، وهي رجاء المؤمن”.