مجدداً عاد ملف إعادة النازحين السوريين ليطرح على طاولة البحث في مجلس الوزراء في الآونة الأخيرة، بعدما أعدّ وزير المهجرين عصام شرف الدين خطةً لتفعيل عودة النازحين، وحاول طرحها في المجلس خلال إنعقاد جلستة الأخيرة في الأيام القليلة الفائتة، عقب زيارة قام بها لدمشق، داعيًا الحكومة الى الإستفادة من التسهيلات التي إتخذتها الجهات السورية المعنية من أجل تفعيل عودة مواطنيها الى بلادهم، ومن هذه التسهيلات: مراسيم العفو، تأجيل خدمة العلم، تسجيل الولادات الجديدة، توفير خدمات النقل والطبابة… غير أن خطة شرف الدين لم تبحث، على إعتبار أن وزارة المهجرين ليست الجهة المختصة والمعنية بملف النزوح، وهو في عهدة وزارة الشؤون الإجتماعية، التي أعدّت «ورقة السياسة العامة لعودة النازحين (السوريين)»، وأقرها مجلس الوزراء في تموز 2020. وهي أشبه بخطة لإطلاق عملية جماعية لإعادتهم تم حصرها بوزارة الشؤون الاجتماعية.
يذكر أيضًا أنها أي (الشؤون) هي الجهة المشرفة على تنفيذ “خطة لبنان للإستجابة للأزمة السورية”. كذلك تقوم بدورٍ تنسيقيٍ مع الجمعيات والمنظمات التي تعنى بغوث النازحين السوريين المنتشرين على الأراضي اللبنانية. ويبلغ عددها نحو 100 جمعية، بحسب معلوماتٍ من مصادرٍ رسميةٍ ومعنيةٍ بالملف المذكور.
وتم التوافق خلال إنعقاد الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء على تفعيل اللجنة الوزارية المعنية بملف النزوح برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، على ان تجتمع في وقتٍ قريبٍ.
وعن توقيت إعادة طرح ملف النزوح السوري الى لبنان، وسط بروز معلوماتٍ مؤكدةٍ عن تقليص الدعم المالي لما يسمى بـ “منظمات المجتمع المدني” الـ (NGOS) من الجهات الدولية المانحة، خصوصاً بعد الحرب في أوكرانيا، بحيث إنتقل ثقل دعم الدول الغربية المانحة وإهتمامها إلى النازحين الأوكرانيين، برأي أكثر من جهة معنية بملف النزوح السوري الى لبنان.
وهنا تؤكد مصادر رسمية لبنانية معنية بهذا الملف، أن العوائق الأساسية التي أدّت الى تأجيل البحث في الملف المذكور، هي تداعيات الأزمات التي عصفت بلبنان والعالم أدت الى تأجيل تفعيل هذا الملف، كإنفجار مرفأ بيروت، فإثر هذه الكارثة تم تأجيل “مؤتمر إعادة النازحين” الذي كان يحضّر لإنعقاده في آب 2020 في القصر الجمهوري في بعبدا. أضف الى ذلك أزمة إنتشار جائحة كورونا في العالم، التي أعاقت أيضاً عملية عودة النازحين الطوعية الى ديارهم، التي أشرف عليها الأمن العام اللبناني بالتنسيق مع المفوضية العامة لشؤون النازحين، وبلغ عدد العائدين الى سورية نحو 500 الفً، و97 الفًا غادروا لبنان عبر المطار الى دول مختلفة، حتى كانون الثاتي 2022.
كذلك تجزم المصادر عينها أن عملية إعادة النازحين الفعلية، تتطلب مناخاً دوليًا مؤاتيًا لذلك، وهذا الأمر غير متاحٍ في الوقت الراهن، بالإضافة الى ذلك فإن تأمين العودة في حاجةٍ الى مواردٍ ومساعداتٍ ماليةٍ لضمان تحقيقها بنجاجٍ في وقتٍ ينصّب فيه الإهتمام الدولي على الوضع في أوكرانيا. كذلك تؤكد على أن الحل السياسي في سورية يسهم في شكلٍ أساسيٍ في تحقيق العودة المرتجاة، وفقًا لمندرجات القرار الدولي 2254. أو إنتقال بعض النازحين من ذوي الأوضاع السياسية أو الإنسانية الخاصة وسواها الى دولةٍ ثالثةٍ غير سورية ولبنان، وهذا الأمر أيضًا غير متاحٍ في الوقت الراهن في ضوء تركيز الإهتمام الدولي بالملف الأوكراني، ودائمًا بحسب المصادر الرسمية عينها.
ومن الأسباب التي تعوق تحقيق العودة، غياب التشجيع الدولي والمحلي عليها، بالرغم من إعلان المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، مساعدة النازحين داخل البلاد وخارجها، إثر زيارة قام بها لسورية في آذار 2019.
وعن تأثير الحرب في أوكرانيا على الأوضاع اللبنانية وأوضاع النازحين السوريين الموجودين في لبنان، تلفت المصادر المذكورة آنفاً الى أن 82% من اللبنانيين أصبحوا تحت خط الفقر، و91 % من النازحين كذلك، المقيم جلّهم في المخيمات في الظروف المناخية القاسية، ويبلغ مجمل عددهم المسجل رسمياً بنحو 863000 الف نازح، ودائماً بحسب المصادر.
وتشير الى أن كلفة النزوح تجاوزت الـ 40 مليار دولار، ولم يتلّق لبنان من الجهات المناحة إلا نحو 8 مليار. وتقول المصادر: “إن ما زاد في الطين بلة، هي الحرب في أوكرانيا، لإن لبنان يستورد 80% من القمح من أوكرانيا، و15 % من روسيا، و5 % من موارد أخرى”، هذا فقط بالنسبة لإنتاج الخبز ومشتقاته، و لم نتحدث عن باقي المنتوجات المستوردة من أوكرانيا وسواها كالزيوت النباتية وسواها من المواد الغذائية التي يتشارك في إستهلاكها مع اللبنانيين أكثر من مليون نازح سوري”.
وتلفت المصادر الى أن الحدود اللبنانية- السورية المشتركة، تشهد من وقتٍ الى آخرٍ حركة عبور لأعداد قليلة من النازحين الموجودين في لبنان الى الداخل السوري، أرقامهم مسجلة لدى الأمن العام اللبناني، على أن يتم شطبهم لاحقًا من قوائم النازحين. وتؤكد أن وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار حاضر لزيارة دمشق للبحث في كيفية تحقيق العودة، عندما يتم تكليفه من مجلس الوزراء.
وفي السياق، تعتبر مصادر في المعارضة السورية أن تحقيق عودة النازحين، مرتبط في الحل السياسي لأزمات المنطقة وسورية، ويشكل أحد أوراق الضغط الدولي على الحكومة السورية. وتختم بالقول: “لا حل لأزمة النزوح قبل ولادة الحل السياسي”.
حسان الحسن- الثبات