جاء في وكالة “المركزية”:
كان صندوق النقد الدولي واضحا وصريحا في المحادثات التي أجراها مع المسؤولين اللبنانيين في اليومين الماضيين. هو أبلغهم، بالمختصر المفيد، أن نمط عملهم بطيء وان لا بد من اجراءات اصلاحية ملموسة، أوّلا، ومن وضع حساباتهم “الشعبوية” الانتخابية جانبا، ثانيا، اذا كانوا يريدون فعلا، التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد.
فبحسب ما تقول مصادر سياسية مطّلعة لـ”المركزية”، الوفد نصح لا بل طلب، من كلّ من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيسي مجلس النواب نبيه بري ومجلس الوزراء نجيب ميقاتي، مصارحةَ اللبنانيين كما توقّف عند ضرورة تحمّل السياسيين مسؤولياتهم عبر عدم إخفاء حجم الانهيار الواقع، وعدم إنكار الحقيقة.
في الموازاة، لم يُعجب التأخّرُ في اقرار الموازنة، الصندوق. ففي رأيه، هي اساسية وتُعتبر العمود الفقري- شأنها شأن خطة التعافي- للاتفاق المنشود. لكن حتى الساعة، الموازنة لا تزال مشروعا نظريا اذ احال الرئيس بري امس مشروعها الى لجنة المال والموازنة، اي ان النقاش الجدي فيها، لم ينطلق عمليا بعد، وهو سيبدأ الثلثاء المقبل على طاولة لجنة المال.
الى ذلك، تشدَّد الصندوق في طلب الاصلاحات، وأصرّ على رؤية خطوات فعليّة حقيقيّة كبيرة تدلّ على جدية في تغيير نمط العمل الذي كان سائدا طوال العقود الماضية، خاصة في ملفي الكهرباء والاتصالات، حيث لا بد من تعيين هيئات ناظمة للقطاعين ومن رفع التعرفة وتحسين الجباية، كما شدد وفق نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي على “إصلاح القطاع المالي، وتوحيد سعر الصرف، وعلى الحاجة إلى بعض التشريعات المطلوبة”.
لكن اين أهل الحكم اليوم من هذه الطلبات الصارمة كلّها؟ بحسب المصادر، من الصعب جدا ان تلتزم المنظومة التي تقف على ابواب الانتخابات النيابية، بالاجندة التي حددها لها “الصندوق”، خاصة وانها تحتاج مواقف وخطوات جريئة وقاسية وغير شعبية. فلا أركان السلطة قادرون على مصارحة اللبنانيين بالواقع المرّ خاصة في ما يخصّ ودائعهم، ولا هم قادرون على الذهاب نحو تدابير موجعة في ما يخص كلفة التعرفة الكهربائية وتعرفة الاتصالات… كما ان التشريعات الاصلاحية كقانون الكابيتال كونترول تجرجر في مجلس النواب منذ اشهر لا بل سنوات.
اما على خط الموازنة، فهي ايضا لن تُقرّ بالشكل الذي يُرضي الصندوق. اذ انه، و”في حال” بلغ قطارها “محطة” الهيئة العامة لمجلس النواب قبل الاستحقاق الانتخابي، فإنه سيصعب، لا بل سيستحيل على النواب، ومعظمهم ينوي خوض غمار الانتخابات من جديد، الموافقة على خطوات اصلاحية غير شعبية ترتدّ عليهم سلبا في صناديق الاقتراع، وهذا يعني ان نسبة العجز في الموازنة مرشّح للارتفاع من جديد، وأن جزءا لا بأس به من الاجراءات الاصلاحية المُقترحة في متنها، لن يمرّ في البرلمان وسيَسقط في ساحة النجمة تحت وطأة استحقاق ايار ووهجه.
من هنا، ترجّح المصادر ان يستمر التمييع الرسمي والدوران في الحلقة المفرغة هذه، الى ما بعد الانتخابات النيابية لتُرمى كرة نار التدابير غير الشعبية في حضن الحكومة والبرلمان اللذين سيبصران النور بعد الاستحقاق. وهذه القناعة التي بدأت تتكون لدى الصندوق، ستترسّخ على الأرجح، في الزيارة المقبلة التي سيقوم بها الى بيروت بعد شهر من اليوم…