هل يخرج لبنان من أزمته بمسعى فاتيكانيّ؟

جاء في “المركزية”:

صلّى أمين سر الكرسي الرسولي للعلاقات بين الدول في الفاتيكان المونسنيور بول ريتشارد  غالاغير في ختام زيارته الى لبنان، الذي غادره عائدا الى الفاتيكان. ولعله أدرك بعد جولة مكوكية من اللقاءات التي أجراها مع مسؤولين سياسيين وروحيين أن لبنان يحتاج إلى الصلاة وأن خلاصه من أزماته يحتاج إلى أعجوبة مهما توافرت الجهود الجبارة.

بعد كل لقاء مع المسؤولين السياسيين، كان يخرج غالاغير برسالة مفادها أن قرار نهوض لبنان هو لبناني بحت ويجب أن تتضافر الجهود بشأنه. أما اللبناني الغارق في دوامة الأزمات التي افتعلتها المنظومة الحاكمة فأودعه أمانة بأن “التغيير آتٍ على أيديهم”. فهل ثمة رسالة حملها الزائر الفاتيكاني إلى البابا فرنسيس بعد هذه المروحة الواسعة من اللقاءات، ولماذا وصفت بعض المصادر الزيارة بالعادية واللقاءات بأكثر من طبيعية وأن دور الفاتيكان يبدأ من خارج حدود لبنان؟

مصادر مواكبة لزيارة غالاغير اعتبرت أن مروحة اللقاءات التي شملها برنامج الزائر الفاتيكاني تثبت أن عين الفاتيكان مصوبة على لبنان الرسالة التي تحدث عنها البابا القديس يوحنا بولس الثاني، إلا أنها توقفت عند زيارته دار الفتوى ولقائه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ووصفتها لـ”المركزية” بـ”الإلتفاتة الخاصة للطائفة السنية التي تعيش حالاً من الإحباط والضعضعة بعد إعلان الرئيس سعد الحريري عزوفه عن الترشيح للإنتخابات النيابية المقبلة وخروجه من العمل السياسي. وتلفت المصادر إلى أن لقاء غالاغير مع المفتي دريان حمل أكثر من عنوان سياسي وأكد تمسك الفاتيكان بصيغة التعايش.

ورغم التمايز الذي حملته هذه المحطة في دار الفتوى، إلا أنها لا تخرج عن إطارها الطبيعي “خصوصا ان برنامج لقاءاته شمل كل رؤساء الطوائف في لبنان”. وكشفت المصادر عن لقاء جمع غالاغير وأحد المسؤولين في حزب الله بعيدا من الأضواء ومن دون خروج أي شيء الى الإعلام”. إلا أنه لم ينقل أية رسالة من الفاتيكان إلى رؤساء الطوائف والرؤساء الثلاثة كما فسر البعض “فهو لم يكن مكلفاً بذلك من أحد، إنما اقتصر دوره على إعادة التذكير بنظرة الفاتيكان إلى دور المسيحيين والمسلمين في لبنان”.

قد يصح القول أن زيارة غالاغر جاءت  في الذكرى الـ 25 لزيارة البابا القديس يوحنا بولس الثاني إلى لبنان لإعادة التذكير بتلك المحطة التاريخية وبنتائجها والأهم بكلمات القديس “لبنان أكبر من وطن إنه رسالة” وليقول على مسمع الرؤساء “نحن هنا وعين قداسة البابا مصوبة قلبا وعقلا على لبنان وصلواته مع شعبه. هذه هي الرسالة التي حملها معه غالاغير إلى المسؤولين ولا جدوى من تعظيم الأمور وتكبير حجمها لأن دور الفاتيكان ليس في الداخل اللبناني إنما في دول القرار أي الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وإيران “. وعن الخشية التي عبر عنها لجهة خوفه على الحضور المسيحي بسبب تقاعس المسؤولين عن أداء دورهم، تلفت المصادر إلى أنه ورد “إنطلاقاً مما يحصل في المنطقة من عودة الحركات الأصولية مما يؤثر على الأقليات عموماً ومسيحيي لبنان خصوصاً الذين يعيشون تحت سندان الأزمات الإقتصادية والإجتماعية والتربوية والثقافية”.

خوف مبرّر “لكن نطمئن الزائر الفاتيكاني أن المسيحيين في لبنان أقوى من أن يُهزموا ويضعفوا أمام المحن وهم عبر التاريخ في حال مواجهة كل الإحتلالات  ليس طمعا بحب الحياة إنما لأنهم يستحقون الحياة في هذا الوطن ولبنان يستحقهم. والتاريخ يشهد على ذلك. وكل كلام عن مبادرات أو طروحات حملها معه الزائر الفاتيكاني هو محض إعلامي .وكما العادة تمّ تحميل الزيارة أكثر مما تستحق”.

على مدى عقود لم ولن تتغير نظرة الفاتيكان إلى لبنان وهو مؤمن كما ورد على لسان البابا فرنسيس أن هذا الوطن غني بثرواته الفكرية والثقافية إلا أن رهان الزائر الفاتيكاني كان على قدرة الشعب اللبناني في تغيير المنظومة السياسية من خلال الإنتخابات وهذا ما يفسر إلحاحه أمام المسؤولين السياسيين ورؤساء الطوائف على ضرورة إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، ليس هذا وحسب إنما أيضا الرئاسية. وعليه أصر قبل أن يغادر لبنان على تأكيد “ضرورة أن يستعيد لبنان دوره التاريخي في المنطقة والعالم ويطبق سياسة الحياد التي تحدث عنها البطريرك الراعي”. 

وتختم المصادر: “إلا أن الدور الفاتيكاني الحقيقي ليس في لقاءات غالاغير مع الرؤساء الثلاثة أو زعماء الطوائف في لبنان، إنما في الضغط على قادة الدول المؤثرة لإنقاذه وعدم السماح بسقوطه في محور الممانعة. هذا ما يجب أن يكون عليه دور الفاتيكان للحفاظ على دور لبنان التاريخي وعلى الحضور المسيحي فيه”.