جنرال بعبدا: ما فلّ بالسياسة بفلّ بالقانون

وسط ترقّبٍ للموقف الرسمي الخليجي من الجواب اللبناني على الورقة الكويتية، وليس ما يبشّر بالخير إزاءه في ضوء ما تضمّنته “الصفحة وربع ” اللبنانية، تحديداً ما يتعلّق بتنفيذ القرار 1559، إنشغلت الساحة الداخلية بشكلٍ مفاجئ باشتعال الجبهة المالية والإقتصادية على خطّ بعبدا – الحمرا ، على وقع جلسات الموازنة الماراتونية،عشية تنفيذ اتحادات النقل البري لتهديدها “الفوفاش” الذي نفّس من أول يوم، حيث شهد السجال سابقةً، تُسجّل لأول مرة بردّ من مصرف لبنان “عنيف”، أكملت مضمونه جهاتٌ مصرفية “غرّدت على نفس الموجة”.

اللافت في ما جرى مجموعةٌ من الأمور تطرح علامات استفهام حول توقيته، أهمها:

-نجح حاكم مصرف لبنان في سلسلة التعاميم التي أصدرها، وبغضّ النظر عن مفعولها على المدى البعيد، في خفض سعر صرف الدولار بنسبةٍ كبيرة، بناءً على توافق سياسي أفضى إلى تأمين التغطية اللازمة للصرف من الإحتياطي. فهل سحب الرئيس ميشال عون تغطيته؟ أمّ أنه كان من المعترضين أساساً، بحسب الإطلالة الأخيرة لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل؟ فإذا كان الأمر كذلك، لماذا هذا الفارق الزمني؟

-العدول عن إرسال وفدٍ قضائي لبناني إلى فرنسا، للتباحث وتبادل المعلومات مع القضاة الفرنسيين المولجين بالتحقيقات في القضايا المرفوعة ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في باريس، نتيجة خلافات وتصفية حسابات داخل القضاء اللبناني،على خلفية اتهامات بتسريب تحقيقات ووثائق للخارج من خارج الطرق القانونية.

-مذكّرة الإحضار التي سطّرتها مدعي عام جبل لبنان القاضي غادة عون، إلى المديرية العامة لأمن الدولة لإحضار الحاكم إلى جلسة التحقيق. واللافت أن اي قرار لم يصدر في شان الدفوع التي قدّمها الحاكم سابقاً، والأهمّ أن أي قرار بوقف تنفيذ مذكرة عون، لم يصدر عن مدعي عام التمييز. هل في الأمر “مسرحية ما”، أو أن شيئاً ما يُطبخ في القضاء؟

-“إدّعاءات” الشركة الدولية المخوّلة إجراء التحقيق الجنائي الدولي، بعدم وجود تعاون من قبل المصرف بحجّة عدم موافقة موظفي المصرف المركزي، على رفع السرية المصرفية عن حساباتهم. فهل تستدعي هذه العقبة وقف عملية التدقيق وعدم المباشرة بما قُدّم من وثائق حتى الساعة؟ أمّ هي حجّة تخفي خلفها أموراً اخرى ،خصوصاً أن ثمة بنداً جزائياً في العقد الموقع؟

-الدعم غير المباشر الذي يقدّمه وزير المال يوسف خليل، لحاكم مصرف لبنان والتعاون الإيجابي بين الطرفين، وهو ما بدا واضحاً خلال الإطلالة الحوارية الأخيرة لمعاليه. فهل من قطبة مخفية تتعلّق بعرقلة تعيين مدير عام جديد لوزارة المالية يصرّ العونيون على تسميته من حصّتهم.

-إعتبار مصادر مصرفية أن رئاسة الجمهورية تغاضت عن واقع أن الفجوة المالية تكوّنت نتيجة الإنفاق المتمادي من دون ضوابط للحكومات السابقة منذ العام 2016حيث كانت الأصول الأجنبية للمصرف المركزي تعادل 39.6 مليار دولار في نهاية العام 2016 منها، 34 مليار دولار إحتياطي أجنبي، و5.5 مليارات دولار سندات، لتتراجع مع نهاية تشرين الثاني من العام 2021 إلى 18.2 مليار دولار، منها 14 مليار إحتياطي، و4.1 مليار دولار سندات. فكيف تبخّرت 21.4 مليار دولار من الأصول الأجنبية لمصرف لبنان وكيف خَسِر 20 مليار دولار من الاحتياطي الأجنبي؟ وبأي قرارات أو قوانين صُرفت الأموال ومَن وقّع على صرفها؟ ولأي غايات تمّ المَسّ بأموال المودِعين؟ فهل ثمة انقسام في جمعية المصارف، في ظل تأكيد رئيس الجمهورية عن تلقّيه شكاوى من جمعية المصارف ضد الحاكم؟

وعن الأموال الأجنبية المودَعة في البنك المركزي، “فليست إلاّ ودائع الزبائن في القطاع المصرفي” بحسب المصادر التي أكدت أن “مصارف لبنان مهتمة بمعرفة الحقائق لتتبيّن أخيراً الحقائق للشعب اللبناني، ويتمّ الكشف عن المسوؤل الحقيقي عن تعثّر المصارف والهدر والسطو على جَنى العمر كما جاء في البيان الرئاسي”.

مصادر مواكبة لملف حاكم مصرف لبنان منذ بدايته، تؤكد أن خطوة رئيس الجمهورية، وفتحه النار مباشرة لم تأت من فراغ، فهي مرتبطة بملف الإنتخابات بالتأكيد، ذلك أن “رأس الحاكم” طبق دسم للتقديم للقاعدة الشعبية عشية الإستحقاق، وهو ورقة رابحة، إلاّ أن ثمة نقطة أهمّ، فجنرال بعبدا، الذي بدأ معركته مدعوماً بأركان فريقه منذ انفجار ثورة 17 تشرين، قد اكتشف أن المظلّة السياسية الحامية للحاكم داخلياً وخارجياً عصيّةٌ على الخرق. فداخلياً، والكلام للمصادر، سلّم رئيس الجمهورية ومعه البرتقاليون، بعبثية وقوف “حزب الله” الى جانبهم في مجلس الوزراء لخوض معركة “قبعه”، كما أن التسويات سقطت كلّها أمام هذه المعضلة، حيث تحمّل بعبدا، كلاً من عين التينة والسراي، المسؤولية علناً عن بقاء وحمايتهما للحاكم.

أمام هذا الواقع، ترى المصادر أن رئيس الجمهورية قرّر الهجوم إلى الأمام، بالإلتفاف على الجدار السياسي في مجلس النواب واتّباع الطريق القضائي، مستفيداً من ثغرات قانونية تسمح “بالتحايل”، فإن أصابت الخطوة كان به، وإن لم تُصب، يُمكن أيضاً الإستثمار في الموضوع والبناء عليه، وتحت هذا الإطار يمكن إدراج خطوة القاضية عون، التي ترجّح المصادر أن تتبعها في الأيام المقبلة، خطوةٌ لا تقلّ أهمية للقاضي جان طنوس. و”كلن”، هل يعني ذلك أن المعركة شارفت على نهايتها؟

الجواب بالتأكيد، لا . فالقصة أكبر من مسألة “رياض سلامة”، بقدر ما هي مرتبطة بالإمساك بصاحب القرار المالي خلال الفترة المقبلة، حيث يحاول أطراف الطبقة الحاكمة الإمساك بالمفرّق، كلً منهم “بمفتاح قرار” للفترة القادمة، سواء حصلت إنتخابات رئاسية أم لم تحصل.

وعليه فإن المعركة مستمرة، إلى أن يكتب الله أمراً كان مفعولاً، والحاكم لن يخرج من المركزي إلاّ باستقالةٍ تُوضع على مكتب الرئيس الجديد ، وإلاّ…. ومن يعش يرى.

المصدر: “ليبانون ديبايت”