كان لتسريب أخبار عزوف الرئيس سعد الحريري عن الترشّح للإنتخابات النّيابية المقبلة وقع الصدمة على مناصريه في طرابلس، إمتدت إلى قواعد تيّار المستقبل في الضنّية والمنية وعكّار، فضلاً عن الكورة وزغرتا، حيث خيّم الوجوم على الوجوه، وبدت مظاهر الحيرة والضياع والإرباك واضحة عليهم.
قبل عودة الحريري إلى لبنان فجر يوم الخميس الفائت، كانت أسئلة كثيرة تُطرح حول موقفه من الإنتخابات النّيابية المقبلة، ترشّحاً أو عزوفاً، وفي الحالتين ما هي الخطوة التالية التي سيخطوها، وفي أيّ اتجاه، وما هي تداعياتها المحتملة؟ لكنّ كلّ هذه الأسئلة كانت تواجه بجوابٍ واحد من مناصريه: “القرار عند الحريري وحده، وهو لن يتّخذه قبل أن يتم الإعلان رسمياً عن موعد الإستحقاق الإنتخابي”.
ومع أنّ وزارة الدّاخلية أعلنت عن 15 أيّار المقبل موعداً للإنتخابات المرتقبة، وفتحت باب الترشّح في 10 كانون الثاني الجاري، فإنّ هذه الأسئلة بقيت متداولة، إلى أن بدأت في الأيّام القليلة الماضية تخرج تسريبات تتحدث عن أنّ الحريري لن يترشّح لخوض غمار الإنتخابات المقبلة، وأنّ العزوف خيار مطروح لديه على الطاولة.
لكن ما إنْ أُعلن عن عودة الحريري إلى بيروت قبل ثلاثة أيّام، حتى تنفّس مناصروه الصعداء، واعتبروا ذلك إيذاناً بأنّ زعيم التيّار الأزرق عائدٌ لاستنهاض تيّاره وشارعه، وخوض الإنتخابات النّيابية المقبلة على قاعدة أنّه الرقم الصعب في الطّائفة السّنية، ولا بديل عنه، وأنّه رقمٌ صعبٌ ضمن المعادلة الوطنية، لا يمكن الإستغناء عنه بأيّ شكل من الأشكال، وتحت أيّ ظرف من الظروف، باعتباره “ضمانة” لمنع إنزلاق البلاد نحو صراع مذهبي.
في الشّارع الطرابلسي لا يُصدّق مناصرو الحريري ما يسمعون من أنباء تتواتر عن عزوفه عن الترشّح، إنّما مع إبقاء دعمه مرشحين ولوائح في مختلف المناطق، بالتعاون مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي كانت تسريبات تصدر عنه وعن مقربين منه تتحدث بأنّه قد لن يترشّح هو أيضاً للإنتخابات النيابية المقبلة، وهو ما لمّح إليه بشكل واضح عضو كتلة “الوسط المستقل” التابعة لميقاتي النائب علي درويش، بقوله إنّ ترشّح ميقاتي للإنتخابات المقبلة “ما يزال قيد الدرس”.
غير أنّ الصدمة في صفوف مؤيدي الحريري في عاصة الشّمال التي تكبر كلّ ساعة ككرة الثلج، أثارت بلبلة واسعة بينهم، وإحباط ومكابرة جعلت بعضهم يقول إنّه إذا لم يترشّح، فمن المؤكّد أنّه سيدعم مرشحين محسوبين عليه للإنتخابات ولن يترك السّاحة السّنية للفراغ.
وبعدما كان كثيرون يتوقّعون أن يعلن الحريري موقفه من الإنتخابات قبل إحياء ذكرى اغتيال والده في 14 شباط المقبل، تسارعت المواقف والتطوّرات منذ عودته على نحو دراماتيكي، إذ بدأ نوّاب حاليون وسابقون تحت “الخيمة الزرقاء” يتحدثون عن الأمر بشكل علني وواضح، وعدم الإختباء وراء مواقف غامضة و”بين بين” كما كان يحصل في السّابق. فنائب عكار هادي حبيش أعلن أنّ الحريري “لن يترشّح”، لكنّه أكّد بالمقابل أنّه ونواب ومرشّحين محسوبين ومقربين من تيّار المستقبل “سنخوض الإنتخابات ولن ننسحب”. وهو موقف يتقاطع مع موقف النّائب السّابق مصطفى علوش الذي أوضح أنّ هناك “معطيات ترجّح عزوف الحريري”، غير أنّه تعارض مع موقف حبيش عندما أكّد أنّه “لن أترشّح إلا على لائحة تيّار المستقبل”.
غير أنّ مصادر واسعة الإطلاع أوضحت لـ”أحوال” أنّ “السّاعات المقبلة ستحمل نهاية درامية وتراجيدية لتيّار المستقبل، وستحدث صدمة كبيرة في صفوف التيّار ضمن بيئته السّنية، وفي الوسط السّياسي بشكل عام، تتمثل في أنّ الحريري لن يكتفي بإعلان عزوفه عن الترشّح، بل هو سيعلن عدم تسمية أو دعم أيّ مرشّح للإنتخابات، ما يعني عملياً حلّ تيّار المستقبل، والمنسقيات، والماكينات الإنتخابية”.
وختمت المصادر: “الحريري أتى إلى لبنان لتصفية إرثه السّياسي، قبل أن يغادر من حيث أتى”.
عبد الكافي الصمد