لا يُعدّ انتشار أعمال السّرقة أمراً طارئاً في طرابلس، فالمدينة التي توصف بأنّها “إم الفقير”، والتي تُعتبر من أفقر مدن ومناطق لبنان، زاد عليها ما أشارت إليه الدّراسات الإحصائية الأخيرة بأنّ 80 في المئة من سكّانها فقراء، نصفهم تقريباً يعيش تحت خطّ الفقر، الأمر الذي يدفع كثيرين ولأسباب مختلفة لارتكاب أعمال السّرقة.
هذه الظاهرة تفاقمت كثيراً وبشكل مضطّرد في الأونة الأخيرة، وتحديداً منذ اندلاع شرارة الحَراك الشّعبي في 17 تشرين الأوّل عام 2019، وبدء تدهور الليرة اللبنانية، والإنهيار الإقتصادي والمعيشي والإجتماعي الذي رافقها على كلّ الصّعد.
في الأشهر القليلة الماضية، إتّسعت هذه الظاهرة التي تقع ليلاً، بحكم الحاجة وازدياد البطالة والفقر والعوز، وضجّ منها أهالي المناطق والأحياء والحارات الطرابلسيّة كافّة، لتشمل البيوت والمكاتب والمحال التجارية والسّيارات، مروراً بمضخّات المياه إلى البيوت، وكابلات شبكة الكهرباء العمومية والهواتف الخليوية بعد نزعها بخفّة وعلى حين غفلة من أيدي أصحابها في الشّوارع بواسطة أشخاص ملثّمين يركبون درّاجات نارية، ما يلبثوا بعدها أن يختفوا عن الأنظار بلمح البرق، من غير استثناء المساجد من هذه الأعمال، وصولاً إلى سرقة أصحاب البسطات من باعة كعك جوّالين ممّن يصنفون بأنّهم من بين أفقر أهالي المدينة، كما حصل قبل أيّام في منطقة التّل وسط المدينة، ما جعل البعض يُعلّق على مواقع التواصل الإجتماعي، قائلاً: “فقراء يسرقون فقراء”.
لكنّ تطوراً خطيراً طرأ على المشهد في المدينة مطلع الشّهر الجاري، عندما حصل أوّل إشتباك مسلّح بين لصوص ومواطنين في منطقة شارع المئتين في طرابلس، عندما حاول شخصان كانا على متن درّاجة نارية سرقة منظّم كهرباء “ديجانتير” من أحد منازل المنطقة، فتنبّه لهما صاحب المنزل الذي سارع إلى إطلاق النّار عليهما من سلاح فردي كان بحوزته، ما أجبر السّارقيْن على الفرار.
هذا الإشتباك المُسلّح كان الأوّل من نوعه الذي يُسجل حصوله بين لصوص وأهالي المدينة، ما أعطى إشارة إلى أنّ أعمال السّرقة التي كانت تحصل في السّابق لن تمرّ مرور الكرام، وبأنّ الأهالي المعتدى عليهم لن يسكتوا بعد اليوم وسيكونون لهم بالمرصاد، خصوصاً بعدما أكدت مصادر أمنية مطلعة لـ”أحوال” أنّ “الأشهر القليلة الماضية قد شهدت، وفق تقارير أمنية، إزدياداً ملحوظاً في شراء مواطنين أسلحة فردية مختلفة، لمواجهة اللصوص وأعمال السّرقة والتعدّيات المتكاثرة التي يتعرّضون لها”.
وجرّ ذلك الإشتباك وقوع إشتباك من نوع آخر في شارع الحرّية بالمدينة، عندما حاول شخصان ملثمان الدخول إلى “ميني ماركت” خلف مسجد الصديق بهدف السرقة، حيث كان شابان يتواجدان داخل المحل، تمكنا من مواجهة السارقين والتصدّي لهما بالضرب بالعصي والآلات حادة، قبل أن يلوذوا بالفرار إلى جهة مجهولة.
لكن العكس في أحد المباني المخصّصة للمكاتب والعيادات المواجهة لسرايا طرابلس، عندما قام مجهولون بالدخول إلى أحد المباني بقصد السّرقة، ولدى قيام أحد الشبّان من أبناء المنطقة بتعقبهم واعتراضهم، إعتدى عليه اللصوص بالضرب قبل أن يفرّوا من المكان.
ما حصل في الأيّام الأخيرة ليس سوى مشهد بات يتكرّر يومياً، وهو لم يعد مقتصراً على طرابلس، بل امتد ليشمل أغلب المناطق الشّمالية، مثل ذلك الذي حصل في بلدة ببنين في عكّار، عندما حصل تبادل لإطلاق النّار بين مزارعين وأشخاص كانوا يحاولون سرقة ثمار الكوسا من أحد الخيم الزّراعية البلاستيكية.
ومع أنّ أغلب المواطنين باتوا يتحوّطون من أعمال السّرقة هذه بلجوئهم إلى أساليب مختلفة، فإنّ اللجوء إلى استخدام السّلاح لمواجهة اللصوص، ينذر وفق مصادر أمنية “بوقوع ضحايا في الأيّام المقبلة”، مبديّة تخوّفها من “تحوّل ذلك إلى إشتبكات مسلّحة وفوضى أمنية”، ما دفع كثيرين إلى مناشدة الجيش والقوى الأمنية وشرطة البلدية إلى تنظيم دوريات وضبط الأمن حراسة خشية وقوع المحظور.