خلافًا لما كان يتوقّعه، وربما يتمنّاه كثيرون، مرّ “قطوع” موعد الانتخابات من دون ضجّة تُذكَر. أصرّ رئيس الجمهورية ميشال عون على عدم إجرائها في آذار، فكان له ما أراد، حيث “تنازل” المطالبون بتبكيرها، وجعلوها في الموعد “الأقصى” المُتاح، أي في أيار، لكن على أساس القانون “المعدَّل”، بعد سقوط الطعن الذي قدّمه “التيار الوطني الحر”.
بات للانتخابات النيابية موعدٌ محدَّدٌ قانونًا، في الخامس عشر من أيار المقبل، موعد “ينسجم” مع ما طلبه رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر”، حين اعتبرا أنّ إجراء الانتخابات في آذار غير مناسب، في ظلّ عوامل المناخ “غير المضمونة”، ولو أنّ هذا الموعد “ضُرِب” بتعديلات مجلس النواب التي ستحرم العديد من الناخبين الذين يبلغون السنّ القانونية قبل أيار من ممارسة حقّهم الانتخابيّ في هذه الدورة.
لكن، ماذا بعد تحديد موعد الانتخابات عمليًا؟ هل أصبح الاستحقاق الموعود “محصَّنًا” بالفعل، وبالتالي ابتعد عن دائرة “الخطر”؟ بمعنى آخر، هل خرجت الانتخابات، مبدئيًا على الأقلّ، من “بازار” الخلافات والتباينات، لتدخل “إطار” التحضيرات اللوجستية والتقنية، أم أنّ هناك من لا يزال “يراهن” على تمديد اللحظة الأخيرة، بحكم “الأمر الواقع”؟!
مخاطر تحدق بالانتخابات
صحيح أنّ موعد الانتخابات حُدّد، وربما حُسِم بالقانون، إلا أنّ “الخطر” لم يزُل عن الاستحقاق الذي يوصَف بـ”المفصلي والمصيري”، والذي تحدق به “ضبابية” ترفع كثيرًا من نسبة “المخاطر”، سواء المرتبطة بالانتخابات بشكل مباشرة، أو تلك المرتبطة بالوضع العام في البلاد، والتي من شأنها التأثير عليها بصورة مباشرة أو حتى غير مباشرة.
في القانون، ثمّة من يقول إنّ استمرار الأزمة الحكومية قد يهدّد الانتخابات، لأنّ على مجلس الوزراء الاجتماع لتعيين هيئة الإشراف على الانتخابات، اليوم قبل الغد، وبالتالي فإنّ مواصلة “الثنائي الشيعي” تعطيل اجتماع مجلس الوزراء قد “يضرب” الانتخابات. ومع أنّ القانون نصّ على “ديمومة” هيئة الإشراف، ما يعني أنّه في حال عدم تعيين هيئة جديدة، تبقى الهيئة القديمة على رأس عملها، ثمّة من يؤكد أنّ الأخيرة “شبه مستقيلة” من مهامها، بل إنّها ربما “فقدت” النصاب المطلوب لغياب عدد من أعضائها.
وتمتدّ المخاطر القانونيّة لتشمل أطر “الإنفاق” الانتخابي، في ظلّ الانهيار المالي والاقتصادي، والتي يرى بعض الخبراء الانتخابيّين أنّ “التعديلات” التي طرحها مجلس النواب لا ترقى للمستوى المطلوب. ويشرح هؤلاء أنّ سقف “الترشح” إلى الانتخابات بات منخفضًا، لكنّ سقف “الإنفاق” على الحملات الانتخابية بات في المقابل “مقيَّدًا”، مقارنة مع السابق، فضلاً عن إشكالية “تكافؤ الفرص” التي خُلِقت بين العملة الوطنية وتلك الخضراء.
“رهان” التمديد
وربطًا بهذه المخاطر، ثمّة من يعتبر أنّ الوضع العام في البلاد من شأنه التأثير على الانتخابات، فبالنسبة إلى الواقع المالي والاقتصادي، ثمّة من يسأل عن مدى التزام المصارف بالقانون، وهي التي بات “فتح الحسابات” فيها عملية غير يسيرة، في حين أن القانون “يشترط” فتح مثل هذه الحسابات للمرشحين واللوائح، في سبيل “ضبط الإنفاق” على الحملات الانتخابية، مع ما يرتبط بذلك من رفع للسرية المصرفية وغير ذلك.
أما الخطر الأكبر والأهمّ، فيبقى على المستوى السياسي، وربما ما ينتج عنه أمنيًا، فالقوى السياسية بمعظمها لا تبدو “جاهزة” للاستحقاق، الذي يتميّز بأنّه الأول بعد سلسلة “تحوّلات” شهدها لبنان، بدءًا من الحراك الشعبي في تشرين الأول 2019، إلى انفجار مرفأ بيروت الذي لم تنتهِ فصوله بعده على وقع “المماطلة” بالتحقيق بشأنه، مرورًا بالأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وتحوّل الغالبية الساحقة من اللبنانيين معها إلى “فقراء جُدُد
لهذه الأسباب، تبدو الخشية أكثر من مشروعة من أن تقدم الكتل النيابية على “التمديد” لنفسها، لعدم المخاطرة، ولو أنّ هناك من يرى أنّ الرهان على “إسقاطها” عبر صندوق الاقتراع أقرب إلى “الوهم”، في ظلّ التعقيدات القانونية والطائفية والمناطقية التي “راعاها” قانون الانتخاب. وثمّة من يشير إلى أنّ “الظروف القاهرة” التي فرضت التمديد للبرلمان في السابق، لا تُقارَن بتلك السائدة اليوم، ما يجعل “المَخرَج” مُتاحًا رغم كلّ الظروف.
“عائق” واحد ربما يحول دون “التمديد” للبرلمان، وهو أنّ القوى السياسية إما “غير قادرة” على إلغاء استحقاق الانتخابات، أو أنّها “لا تجرؤ” على ذلك في الظروف الحالية، لا سيّما وأنّ المجتمع الدولي يصرّ على إجرائها في موعدها. لكن كما يقال، كلّ شيء يبقى قابلاً للتغيير، متى “دقّت ساعة الجد”، وهي قد لا تتأخّر كثيرًا بعد أن تدخل البلاد عمليًا في السنة الجديدة، ويبدأ “العدّ العكسي” للاستحقاق “الموعود”!
المصدر:lebanon24