من دون أدنى شك، فتحت أحداث مخيم البرج الشمالي في مدينة صور خلال الأسبوع الماضي، الباب أمام تساؤلات كثيرة تتعلّق بالسلاح الفلسطيني ودور الفصائل المتعدّدة داخل المخيّمات. ففي البداية، كان محور الأحداث يرتبطُ بالانفجار الذي هزّ المخيم والفرضيات التي تعلّقت بأسبابه، إلى أن أصبح الحديثُ في مكان آخر ومرتبطاً بإشكالٍ مسلح وإطلاق نارٍ طال موكب تشييع أحد ضحايا الانفجار.
فعلياً، فإن هذا الأمر طرح فرضية موجهة ضدّ “حماس” بشكلٍ مباشر، وتقول إنّ حادثة إطلاق النار أتت على طبقٍ من فضّة بالنسبة للحركة، لتحييد الأنظار عن الإنفجار والمحتوى الذي تضمّنه المستودع الذي وقعت فيه الحادثة.
في المقابل، لا يخفي بعض المسؤولين الفلسطينيين البارزين في لبنان مخاوفهم من ضلوع تنظيمات إرهابية في ما حصل في البرج الشمالي بدءاً من الانفجار وصولاً إلى حادثة إطلاق النار، كما أن تلك القيادات لا تستبعد أن تكون هناك بصمات إسرائيلية بشأن حادثة الانفجار.
وبعيداً عن مختلف الفرضيات المطروحة، فإنّ التحقيقات بالحادثتين ما زالت مستمرة، في حين أن الرواية الرسمية اللبنانية بشأنهما لم تتضح معالمها بعد.
في ما خصّ الانفجار، ورغم أنّ حركة “حماس” نفت أن يكون الحادث قد وقع داخل مخزن للسلاح والذخيرة كما قيل، فإن أطرافاً فلسطينية عديدة أخرى تعتقد أنّ ما حصل ليس بعيداً عن عملٍ أمني قد طال مخزن ذخيرة فعلاً، بعكس رواية “حماس” التي أشارت إلى أن محتوى المخزن يقتصر على قوارير أوكسجين.
من وجهة نظر بعض الجهات الفلسطينية الفاعلة، فإنّ ما جرى في مخيم البرج الشمالي ليس عادياً وهو لم يحصل من قبل، ولا يمكن أبداً استبعاد فرضية “افتعال حريق وانفجار” من قبل أدواتٍ دخيلة، بغض النظر عن محتوى المخزن وموجوداته.
على أساس قاعدة “الدخلاء”، اتجهت الأنظار على حادثة إطلاق النار التي شهدتها مسيرة تشييع حمزة شاهين الذي قضى بالانفجار.
وبشكل واضح، يبدو أنّ “حماس” انزلقت في الاتهامات المباشرة من دون أي دلائل، إذ أصرّت على اتهام حركة “فتح” وقوات الأمن الوطني الفلسطيني بما حصل خلال التشييع، في حين أنّ الأطراف الأخيرة المقابلة ترفض هذه الاتهامات تماماً، وهي تؤكد أنه لا علاقة لعناصرها بحادث إطلاق النار.
ووسط الصّراع “الفتحاوي – الحمساوي” وتقاذف المسؤوليات، كان لافتاً أنّ عدد المتّهمين بحادثة إطلاق النار هو واحدٌ فقط، إذ جرى تسليم المدعو “محمد محمود دحويش” الملقب بـ”أبو العشا” إلى مخابرات الجيش. وعن هذا الأمر، تقول مصادر رفيعة المستوى في حركة “فتح” لـ
“لبنان24” إنّ “أمر تسليم دحويش جرى بناء لطلب الدولة اللبنانية، إذ طلبت مديرية المخابرات من الأمن الوطني الفلسطيني تسليمه إليها”.
وأضافت: “دحويش ليس مُنظماً في حركة فتح ولا إلى قوات الأمن الوطني كما تقول حماس، وجرى طردهُ من الحركة قبل نحو 4 سنوات، في حين أن والده هو ضابط فيها”.
ولفتت المصادر إلى أنّ التحقيقات تهدف إلى الاطلاع على خلفيات دحويش وعلاقاته مع مختلف التنظيمات”، مشيرة إلى أن “الهدف يكمن في معرفة ما إذا كان هو المسؤول عن إطلاق النار فعلاً أو أي أحد آخر والجهات التي أمرت بذلك”.
وأضافت: “حركة فتح جاهزة ومستعدة لتسليم أي مطلوب تشيرُ إليه الدولة اللبنانية، وليس هناك أي غطاء فوق رأس أحد”.
تفجيرٌ للمخيمات؟
إذاً، فإن ما حصل كان يحتاج إلى القليل من التروّي من مختلف الأطراف، لاسيما أنّ الحوادث المتتابعة تستوجب ضبط النفس لاكتشاف المشكلة. ومع هذا، فإن التركيز اليوم يعتبرُ كبيراً على المخيمات الفلسطينية وقد يراها البعض محطة لأحداث أمنية قد تنتقل إلى كل لبنان، لا سيما المُدن الكبرى مثل بيروت، طرابلس، صيدا، وصور باعتبار أن هناك مخيمات كبرى في تلك المناطق.
وهنا، فإنّ الصراع الكبير بين “حماس” و “فتح” يغذي أي إشكال قد يتمدّد في أي لحظة. وعليه، فإنّ النّبرة التي اعتمدتها “حماس” في خطاباتها كانت محطّ استياء لدى بعض القيادات الفلسطينية لأنها جاءت جزافاً، معتبرة أن ما حصل قد يفتح الباب أمام تصعيد كبير مع حركة “فتح”.
وإنطلاقاً من هذا الأمر، كان واضحاً أن الحلحلة بين الحركتين الفلسطينيتين ما زالت بعيدة. وحالياً، فإن المساعي التي يقودها “حزب الله” و”حركة أمل” مع القيادات الفلسطينية لم تفضِ إلى نتيجة مُرضية، في حين أنّ الأبواب ما زالت موصدة أمام حلول تلملم ذيول ما حصل، وفق ما قالته مصادر “فتح”.
وعلى أيّة حال، فإنّ ما يجري حالياً إنّما يتطلب استدراكه تماماً خصوصاً أن أي صراع داخل المخيمات الفلسطينية سيفتح معركة جديدة عنوانها “إنهاء السلاح الفلسطيني بالقوّة”، خصوصاً ذلك الذي تمتلكه حركة “حماس”. وعليه، فإنّ مختلف الأطراف يجب أن تعي حساسية المرحلة، في حين أن العديد من الجهات الفلسطينية تعوّل على دور السفير الفلسطيني أشرف دبّور في تقريب وجهات النّظر بين الفصائل المتناحرة، حقناً للدماء وتجنيباً للساحة اللبنانية أي اقتتال.