في مقال سابق بعنوان “أزمة الدواء مُستمرّة… وزارة الصحة بخدمة الشركات”، تطرّقنا الى الطريقة التي يُدار بها ملف الدواء في لبنان، بحيث يُعاني المرضى من كارثتين: الاولى عدم توفر الدواء رغم الحاجة الماسة إليه، والثانية متعلقة بالسعر المرتفع للدواء.
عملاً بحق الردّ أرسلت نقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات ردّها على المقال، فنُشر في الصحيفة مع ردّنا على الرد، ووعدنا باستكمال العمل على ملفات الأدوية، ومنها ما سنطرحه في هذا المقال.
من ضمن ما قالته نقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات في ردّها أنه “من المعلوم أنّ اللجنة الفنية في وزارة الصحة العامة تعطي الأولوية للأدوية المصنعة محليًا. بناء عليه، تأتي معظم ملفات الأدوية المستوردة إلى لبنان، أكانت جنيسية أو ذات علامة تجارية، في المرتبة الثانية في سلم الأولويات بعد الأدوية الوطنية”.
يفتح هذا التعليق الباب أمام الحديث عن الادوية المصنعة محلياً والتي توليها وزارة الصحة اولوية، في هذه الظروف، وهو ما يُفترض أن يكون أمراً ضرورياً في بلد يعاني من فاتورة دواء مرتفعة جدا، والسبب بحسب تقرير صادر عن مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في 2 حزيران 2021 “يعود إلى اعتماد لبنان على استيراد الدواء من الخارج بنسبة 81 في المئة من احتياجاته الدوائية جلها من الأسماء التجارية”.
حسناً لنتحدث عن الأدوية المصنعة محلياً.
تساهم مصانع الأدوية في لبنان، وعددها 11 بـ 19 بالمئة من حصة السوق، لكن المفارقة أن 7 بالمئة فقط من حصة السوق الدوائي للمستهلك أدوية محلية الصنع، رغم ما تدعيه وزارة الصحة من اهتمام بهذا القطاع، و12 بالمئة أدوية معبأة لصالح شركات عالمية، وتُباع على أنها صنع في لبنان، لأهداف تجارية.
لكي لا ينغشّ المواطن بالصناعة الوطنية التي تتحدث عنها وزارة الصحة، فإن 63 بالمئة من إنتاج المصانع، التي بأغلبها مملوكة من “كبار القوم” في قطاع الدواء، هي أدوية جاهزة تشتريها من الخارج، لتعبئتها وتعليبها في لبنان، ولهذا الأمر اهداف أساسية هي كسب امتيازات التسجيل السريع للأدوية في اللجنة الفنية في وزارة الصحة، حيث يتم تسجيل هذا النوع من الادوية في فترة لا تزيد عن 6 أشهر، وبأسعار مرتفعة، مع الحصول على دعم “الكرتون”، و”الألمنيوم”، والتخلص من ضوابط كثيرة تخضع لها الأدوية المستوردة من الخارج.
أدوية كثيرة تأتي تحت هذا العنوان، قد تكون جينريك او براند، منها على سبيل المثال لا الحصر، دواء “brocade 3.5 mg inj” للسرطان، صُنع في لبنان، هذا ما يظنه اللبنانيون، ولكن الحقيقة في مكان آخر وهي تحتاج فقط الى من يبحث عنها ضمن جداول الأدوية وزارة الصحة العامة، فالدواء مصدره الهند.
ليس هذا الدواء الوحيد الذي تقوم شركات لبنانية باستيراده جاهزاً من الخارج، ويقومون بتعبئتها وتعليبها في لبنان، فعلى سبيل المثال لا الحصر، “glartus” وهو دواء أنسولين مصدره الصين، “ivermectinbenta” وهو دواء اشتهر مع أزمة كورونا مصدره الهند، “healin b” وهو دواء للترميم مصدره سوريا، “madronate” وهو دواء لترقق العظم ومصدره بولندا، “amos 10 mg”، وهو دواء يشبه “الفياغرا”، ومصدره كوريا.
ينعكس اهتمام وزارة الصحة بصناعة الدواء المحلية، وجعلها أولوية بعملها، على “حصة” هذه الصناعة من السوق المحلية والتي لا تزيد عن 7 بالمئة، بينما هي في الاردن 40 بالمئة، ومصر 54 بالمئة. هذا بالنسبة الى الأدوية التي تباع على أنها صُنع في لبنان، فماذا عن الأدوية المستوردة “فلت” وتُعلّب بلبنان؟
محمد علوش- الديار