الضبية ودّعت رئيس بلديتها قبلان الأشقر

ودّعت بلدات الضبية وزوق الخراب وعوكر وحارة البلانة، رئيس البلدية المأسوف عليه قبلان الاشقر، عميد رؤساء البلديات في لبنان، وذلك في مأتم مهيب أقيم في كنيسة الصعود في ضبية، شارك فيه رسميون وسياسيون تقدمهم ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون النائب ادي معلوف، والرئيس السابق الشيخ امين الجميل، والنائبين الياس بو صعب وادي ابي اللمع، وقائمقام المتن السيدة مارلين حداد، وعدد من رؤساء البلديات في قضاء المتن والاقضية الأخرى، والمستشار الإعلامي في رئاسة الجمهورية رفيق شلالا، وحشد منالسياسيين والمسؤولين وكبار الموظفين المدنيين والعسكرين، إضافة الى أبناء ضبية والبلدات الشقيقة.
رأس الصلاة النائب البطريركي على ابرشية صربا المارونية المطران بولس روحانا ممثلاً البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وعاونه راعي ابرشية زحلة المارونية المطران جوزف معوض، وراعي ابرشية انطلياس المارونية المطران أنطوان بو نجم، والرئيس العام للرهبانية المارونية المريمية الاباتي بيار نجم، وحشد من الكهنة والرهبان والراهبات.
الرقيم البطريركي
وبعد الانجيل، تلي الرقيم البطريركي وجاء فيه:
“وقع في عمق قلبنا خبر وفاة عزيزكم وعزيزنا الشيخ الجليل قبلان رئيس بلدية ضبية وذوق الخراب وعوكر وحارة البلانة، المعروف “بالريّس قبلان” والملقّب بـ”عميد رؤساء البلديات في لبنان” بسبب انتخابه لخمس دورات بثقة اهل هذه المناطق، وبمزايا شخصيته الإنسانية والاجتماعية والادارية.
فإنا نودّعه بالاسى الشديد ومع العديد منعارفيه، ومع وزارة الداخلية والبلديات، ومحافظة جبل لبنان، وقائمقامية المتن، والمجلس البلدي، ومعكم نرافقه بصلاة الرجاء، ملتمسين له من رحمة الله ميلاداً جديداً في سعادة السماء، فيما نحن على الأرض نسير نحو الاحتفال بذكرى ميلاد الكلمة ابن الله الازلي انساناً لخلاصنا.

حصّه الله بإحدى وتسعين سنة من العمر، بدأها بتربية اصيلة في البيت الوالديّ في ضبيّة العزيزة، بيت المرحوم ميشال الأشقر، الى جانب شقيق وشقيقة سبقاه الى دار الخلود، فتعزّى بأسرتيهما. تواصلت تربيته في معهد الرسل في جونية، وتخرّج منالمعهد الزراعيّ الرسميّ بشهادة الهندسة الزراعية، التي مارسها في تحسين أراضي العائلة.
ارتبط في سر الزواج المقدس بالسيدة سميرة يوسف شلالا الغنيّة بخصالها الحميدة وبعطائها الاجتماعي والإنساني، لا سيّما من خلال الصليب الأحمر اللبناني. وتميّزت بتعاونها مع زوجها قبلان بكل انسجام وإخلاص. عاشا معاً حياة زوجية سعيدة، باركها الله بثمرة الابن والابنتين. فربّياهم بالسهر والحب احسن تربية، وفرحا بهم يشقّون طريقهم في الحياة: العزيز وليد في الشأن العام مع المرحوم والده، العزيزة جوسلين في إدارة مؤسسة سياحية اسّستها وتعمل على ارض فرنسا، والعزيزة كورين في “تجمّع اهل المحبة” وفي نشاطات ثقافية وانمائية مثل مهرجانات ضبيّة. وسرّا بنجلهما وليد يؤسس عائلة رضيّة، فسكبا في الحفيدين كل الحنان والحب. وتفرّغ المرحوم قبلان لخدمة الشأن العام في البلدية حباً بالانماء وخدمة للناس فكان رجل المشاريع الإنمائية المتعددة، والإنجازات النموذجية، وكان آخرها تحقيق القصر البلديّ الذي لم يتمتع بتدشينه قبل رحيله، هو الذي لم يطلب مكافأة عن أي عمل، بل كان فرحه العمل من اجل الخير العام. وعرف كيف يبقي علاقاته الصادقة مع سكّان المنطقة بروح الجهوزية في الخدمة والقرب منالعائلات في مختلف ظروف حياتهم، حتى انه كان عرّاب المعمودية لاكثر من 350 طفلا. وصادق بالاحترام رؤساء الجمهورية والوزراء والنواب، موظّفاً صداقاته في انماء بلدته. وتقديراً لعطاءاته، منحه رئيس الجمهورية الأسبق العماد اميل لحود وسام الأرز الوطني.
وربطته بكنيسة الرعية والآباء المريميين وبالاسقف، صلة ايمان وصلاة واحترام وتعاون، مع اهتمام بالكنائس والاديار وسائر أماكن العبادة. وقد عرفناه عن قرب بكل صفاته وابعاد شخصيته، عندما كنت خادماً لرعية مار جرجس والصعود، واثناء الخدمتين الأسقفية والبطريركية. فكنت أرى في اشراقة وجهه صفاء عاطفة قلبه، وتطلعاته الكبيرة. لقد انجز “الريّس قبلان” كل مكنونات قلبه تجاه بلدية ضبيّة وذوق الخراب وعوكر وحارة البلانة واهاليها. وبسلام مع الله والذات والناس، وبفضل عناية زوجته وأولاده وخدمة الكهنة، تهيّأ لساعته الأخيرة. فأغمض عينيه مودعاً ذاته بين ايدي الرحمة الالهية، يقيناً منه انه “لا يموت بل يدخل الحياة”. ومن العلامات السماوية الفارقة وفاته في يوم الرب الاحد، ومرافقته بالصلاة اليوم في عيد امنا مريم العذراء، سلطانة الحبل بلا دنس، فيما الصلوات ترتفع من كل الكنائس.
على هذا الامل واكراماً لدفنته واعراباً لكم عن عواطفنا الابوية، نوفد اليكم سيادة اخينا المطران بولس روحانا، نائبنا البطريركي العام على منطقة صربا السامي الاحترام، ليرئس باسمنا حفلة الصلاة لراحة نفسه وينقل اليكم جميعاً تعازينا الحارة.
تقبّل الله بواسع رحمته روح فقيدكم الغالي في مجد السماء، وسكب على قلوبكم بلسم العزاء.
عن كرسينا في بكركي، في 8 كانون الأول 2021، عيد سلطانة الحبل بلا دنس.
الكردينال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك انطاكيا وسائر المشرق”
وفي نهاية الصلاة، القى ممثل رئيس الجمهورية النائب ادي معلوف كلمة، اعلن فيها منح الرئيس عون الفقيد، وسام الاستحقاق الوطني اللبناني تقديراً لعطاءاته. وجاء في الكلمة:
” أيها المشيعون الكرام،
قليلون، لا بل نادرون، الرجال الذين تقترن أسماؤهم بأسماء بلداتهم، فيصبح منالصعب الفصل بين الأسماء وتلك البلدات.قبلان الأشقر الذي نودع اليوم بألم وحسرة، هو واحد من هؤلاء، نشأت بينه وبين بلدات ضبيه وذوق الخراب وعوكر وحارة البلانة، حكاية قارب عمرها 60 سنة مليئة بالعطاء والتضحية والتفاني والإخلاص والوفاء. ذلك انه منذ العام 1961 حين اختاره أبناء ضبيه والبلدات الشقيقة رئيسا لبلديتهم، لم يتوقف قبلان الأشقر عن عيش حلم التقدم والتطور والانماء، حتى اذا ما حقق بعضا من هذا الطموح، سعى الى المزيد منطلقا من ثقة كان اهلا لها، ومن قصة شاب نشأ وترعرع بين الحقول والبساتين والاحياء، فولدت بينه وبين الأرض صلة رحم زادتها السنوات رسوخا وعشقا.

نعم، بين قبلان الأشقر، ومسؤولية رئاسة بلدية ضبيه وذوق الخراب وحارة البلانة، رحلة تحد. استطاع خلال هذه السنوات الطويلة ان يعطي لضبيه والبلدات الشقيقة الاهتمام الذي تستحق، فشقت طريقها نحو التقدم والتجدد، ونمت بينه وبين أهلها مسيرة طويلة من العطاء استمرت حتى قبل أيام حين اغمض عينيه ورحل مطمئنا الى ان ما زرعه من تعب وجهد، سوف يحصده أبناء ضبيه والبلدات الشقيقة، وسيكون حصادا وفيرا من خلال نهضة عمرانية غير مسبوقة، ومشاريع إنمائية وبيئية جعلت من ضبيه والبلدات الشقيقة نموذجا يحتذى به  في كل بلدياتلبنان الذي كان عميدا لرؤسائها حيث اكتسب منه الكثيرون همة لا تهدأ وعزيمة لا تلين وسعيا دائما نحو الأفضل. واليوم، ونحن نودع ” الرئيس قبلان”، نفتقد ليس فقط رجلا رائدا في موقع المسؤولية البلدية، بل كذلك رجلا كانت الإنسانية منصفاته المميزة، وكانت محبته للناس نهج حياة وفعل ممارسة يومية،  يتبادلون وفاء بوفاء، وثقة لم تهتز يوما على مرّ السنوات الستين الماضية.
أيها الفقيد الغالي،
سيفتقدك أبناء ضبيه وذوق الخراب وحارة البلانة وعوكر، الذين لفهم الحزن على فراقك، تماما كما احزن غيابك فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقد كنت صديقا وفيا له، وقد كلفني فخامته، فشرفني ان امثله في يوم وداعك، وان اضع على نعشك وسام الاستحقاق الوطني اللبناني الذي منحك إياه باسم لبنان، تقديرا لعطاءاتك الوطنية والبلدية والإنسانية، ويضاف هذا الوسام على وسام الأرز الوطني الذي نلته خلال حياتك المعطاء . كما طلب اليّ فخامة الرئيس ان انقل تعازيه القلبية الى افراد عائلتك العزيزة والى عموم أهالي ضبيه وذوق الخراب وعوكر وحارة البلانة، والى رفاقك رؤساء بلديات المتن، والى جميع من عرفك وقدّرك واحبك، سائلا الله تعالى ان يرحمك ويسكنك فسيح جنانه، وان يلهمهم جميعا الصبر والعزاء.

يرحل اليوم قبلان الأشقر بالجسد، لكن ذكراه ستبقى خالدة، في قلوب الكثيرين. وكل من يمر في ضبيه والقرى المجاورة، ويشهد نهضتها وتقدمها سيقول: رحم الله ” الرئيس قبلان”.
كلمة العائلة
والقى نجل الفقيد وليد قبلان الأشقر، كلمة شكر فيها الحضور وقال:
“صعب عليّ ان اقف اليوم بينكم… صحيح ان الموت حق، وينبغي ان نشرب جميعاً هذه الكأس المرّة، ولكن ان اقف كي اودّع والدي “الريّس قبلان”، واجب قاس عليّ وعلى امي وشقيقتيّ وزوجتي واولادي، انما يبقى العزاء اننا لسنا وحدنا مجروحين ومحزونين، فأنتم ايضاً اجتمعتم معنا اليوم، حزانى ومجروحون على غياب “الريّس قبلان” وهو الذي كان طوال السنوات التي عاشها، واحد منكم، وكنتم معه عنوان الوفاء والمحبة والإخلاص.  لذلك، لا حاجة لي لاحدثكم عن والدي، فأنتم تعرفونه بمقدار ما اعرفه وربما اكثر، وما سمعناه من رقيم سيدنا البطريرك ومن كلمة ممثل فخامة الرئيس، توصيف دقيق لمسيرة رجل احبّ ضيعته وأهلها من دون حدود، واعطاها كما أهلها، كل ما يختزنه منمحبة ورعاية واهتمام، حتى باتت ضبية وذوق الخراب وعوكر وحارة البلانة بلدات عصرية ونموذجية في ساحل المتن الحبيب.
صحيح انكم ستفتقدون “الريّس قبلان”، انما سنفتقد نحن كعائلة، الزوج والأب والاخ والصديق، وستغيب عنا كلماته ونصائحه وضحكته وحكمته وعقله الراجح. ولكن الأكيد هو ان الدرب الذي جعلنا نسير عليه طوال هذه السنوات، سيبقى دربنا، وحبه لضيعته سيبقى حبنا لها، وكما علّمنا كيف نخدم أهلنا، سنبقى في خدمتهم.

هكذا ترتاح نفس “الريّس قبلان”، لأننا سنكون أوفياء لرسالته ومبادئه ومدرسته، وسوف نكمل معاً المسيرة كي تبقى ضبية وذوق الخراب وعوكر وحارة البلانة كما أرادها الوالد، منارة ساحل المتن.
باسمي، وباسم الوالدة، وباسم شقيقتيّ جوسلين وكورين والعائلة، أتقدم بالشكر من فخامة الرئيس على بادرته بتكريم الوالد بوسام الاستحقاق وبالكلام المحب والصادق، وأتمنى على ممثل فخامة الرئيس، النائب الصديق ادي معلوف، ان ينقل الى فخامة الرئيس شكرنا ومحبتنا ووفاءنا. كذلك، نتقدم بالشكر البنوي لسيدنا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي على الكلمات التي صاغ فيها الرقيم البطريركي، ومن الرئيس امين الجميل على حضوره ومشاركته. كما ننقل شكرنا ايضاً الى اصحاب السيادة المطارنة ورجال الدين، والى كل من وقف الى جانبنا في مصابنا الأليم، من وزراء ونواب حاليين وسابقين، والى كبار الموظفين ورفاق الوالد رؤساء البلديات والمخاتير، والى أهلنا في ضيعتنا والضيع المجاورة معربين لهم عن كامل الشكر وعرفان الجميل.
واعاهد الجميع، انه كما كان “الريّس قبلان” حاضراً دائماً معهم ، في الافراح والاحزان، سنبقى نحن ايضاً على نفس الطريق… هذا ما اوصانا به الريّس قبل ان يتركنا، وهكذا سنبقى أوفياء لوصيته.”
بعد ذلك، تقبلت ارملة الفقيد السيدة سميرة شلالا الأشقر، وأولاده وليد وجوسلين وكورين الأشقر، تعازي المشاركين، ثم ووري جثمان الراحل الثرى في مدافن البلدة.

وكانت بلدات ضبية وذوق الخراب وعوكر وحارة البلانة، قد اتشحت بالسواد حداداً ورفعت فيها صور الراحل ولافتات تحيي مسيرته في رئاسة البلدية منذ العام 1961، والإنجازات التي حققها خلال السنوات الستين التي أمضاها رئيساً للمجلس البلدي في ضبيّة والبلدات الشقيقة.

المصدر:lebanon24