“النهار”: انطلاقة أمنية لالتزام الحكومة “إعلان جدة”

لعلّ أبرز المؤشرات التي سجّلها المشهد الداخلي غداة المحادثات الفرنسية السعودية في جدة التي اسفرت عن بيان مشترك تضمن ما اعتبر المبادئ الأساسية لخريطة الطريق التي توافق عليها الجانبان حيال لبنان، تمثل في إطلاق رسالة “الجدية والالتزام” من جانب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي كان الطرف اللبناني الحصري في التفاهم الفرنسي السعودي حيال الالتزامات التي قطعها على حكومته. وتمثلت هذه الرسالة بعقد اجتماع ضم جميع الوزراء والمسؤولين الجمركيين والإداريين وممثلي قطاعات رجال الاعمال في لبنان والخليج، خصص للتشدّد في مسألة التهريب وضبط الحدود، ورسم اطاراً أولياً لطبيعة الإجراءات والخطوات التي يفترض ان تستكمل تباعاً من أجل إثبات صدقية الحكومة وقدرتها على تنفيذ التزاماتها في ما يعود إلى استعادة الثقة الخليجية بلبنان، ولو بحدود معقولة، بما يسمح بعودة تدريجية إلى تطبيع العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية بين لبنان والسعودية والدول الخليجية الأخرى. ولكن هذه المؤشرات لم تحجب بطبيعة الحال التعقيدات المحتملة التي يمكن ان تواجه ميقاتي والحكومة في المضي في مسار استعادة الثقة الفرنسية والخليجية والتي يبدو ان طلائعها برزت مع تسريب المعطيات الأولية لدى “حزب الله” حيال البيان الفرنسي السعودي المشترك، والذي اثار سخط الحزب وعده “شديد السوء”. وبدا غاضباً خصوصا حيال الرئاسة الفرنسية ملمحاً إلى اتهامها بأنها انساقت وراء الموقف السعودي من الحزب والاتهامات التي تطاوله. وهو الامر الذي سيرسم علامات استفهام عن قدرة رئيس الحكومة على المضي في إجراءات وسياسات يفترض ان يكون ممرها الطبيعي مجلس الوزراء، وتوافق الحد الأدنى عليها، في حين ان لا ملامح بعد تبشّر بنهاية مقاطعة وزراء الثنائي الشيعي لجلسات مجلس الوزراء، ولا ضمانات حازمة أيضاً حيال عدم التشويش على مسار الانفراج الذي بدأ مع السعودية. وبدا واضحاً مع بداية الأسبوع ان أي جديد لم يطرأ على ازمة انعقاد جلسات مجلس الوزراء اذ انه من المستبعد حصول أي انفراج في هذا الشأن مع تعذر التوصل إلى مخرج لمطالبة الثنائي الشيعي بتنحية المحقق العدلي في ملف مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار. كما استبعدت أوساط نيابية بارزة مساء أمس أي تطور في الجلسة التشريعية التي سيعقدها مجلس النواب اليوم لجهة فتح ملف التحقيق العدلي في المرفأ نظراً إلى عدم وجود أي تفاهم مسبق حول أي خطوة في هذا المجال.
وقد اطلع رئيس الجمهورية #ميشال عون أمس من الرئيس ميقاتي خلال لقائهما في قصر بعبداعلى تفاصيل الاتصال الذي تلقاه ميقاتي السبت الماضي من الرئيس ماكرون والأمير بن سلمان خلال اجتماعهما في جدة والنقاط التي تم البحث فيها.
واكدت مصادر وزارية ان مساع جدية تبذل بين المعنيين في السلطة لتلقف النتيجة الايجابية التي افضت اليها زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون إلى الرياض، موضحة أن العمل جاد من أجل استئناف جلسات مجلس الوزراء عبر حلّ يرتقب ان يتم التوصل اليه من دون الاذعان لمطلب تنحية المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار من منطلق فصل السلطات وعدم المس بهيبة القضاء.
وترأس ميقاتي في السرايا اجتماعاً موسعاً ضم وزراء وممثلي الهيئات الاقتصادية وإتحاد مجالس رجال الأعمال اللبنانية – الخليجية، أعلن على أثره وزير الداخلية بسام مولوي، ان الاجتماع تناول متابعة موضوع التصدير إلى المملكة العربية السعودية، “وسنقوم بإجراءات عملية حول كل ما يمكن ان يهدّد علاقتنا مع الدول العربية”. وأضاف “سأتابع كل الاجراءات القضائية التي تختص بموضوع التهريب ومكافحة المخدرات والكبتاغون ومطلوب منا جميعاً أن نقوم بإجراءات سريعة لضبط الحدود وكل المعابر وعلينا ان نصل إلى نتيجة في موضوع التهريب الذي يحصل عبر لبنان وسنكشف عن عمليات تهريب حصلت”. ومساء ترأس الوزير مولوي اجتماعاً امنياً خصّص لمتابعة هذا الملف.

“لم يمر”
في غضون ذلك لم يمرّ، كما كان متوقعاً، المشروع الجديد للكابيتال كونترول في اجتماع لجنتي المال والموازنة والادارة والعدل في مجلس النواب برئاسة نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي، وسط تنامي المعارضة النيابية له، فيما أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري “ضرورة أن يتضمن أي قانون يتعلق بالكابيتال كونترول بداية حفظ حقوق المودِعين قبل أي بحث آخر”. وأعلن رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابرهيم كنعان “لم يمر قانون الكابيتال كونترول الذي استجدّ من خارج السياق النيابي والنظامي والذي كاد يكرس الاستنسابية من جديد على حساب حقوق المودعين”. ومن جانبه، قال رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان “ممنوع شرعنة المخالفات، لا بل يجب أن تحصل محاسبات وأن تتوزع المسؤوليات وأن يحاسب كل مرتكب قام بما قام به”. وأوضح “أن قانون الكابيتال كونترول يجب أن يراعي أمرين، أولا حقوق المودع، وثانيا يجب أن يكون ضمن خطة شاملة تقرّها الحكومة وتتضمن أرقاماً، وأي قانون يشرع المخالفات التي ارتكبت في الماضي من المستحيل أن نقبل به”.

ووصلت أمس إلى لبنان بعثة من صندوق النقد الدولي برئاسة الرئيس الجديد للبعثة أرنستو راميريز، الذي سيتسلم مهامه في أوائل العام المقبل خلفاً لمارتن سيريسولا.
وستلتقي البعثة عند التاسعة من صباح اليوم رئيس الوزراء نجيب ميقاتي في السرايا في مستهل زيارة تستمر عدة أيام، تجري خلالها سلسلة لقاءات مع كبار المسؤولين ومع أعضاء اللجنة الوزارية المكلفة بالتفاوض مع الصندوق، كما تجري جولة أفق على كل المواضيع والاستراتيجيات التي ينطلق منها فريق العمل والتي يمكن أن يبنى عليها في أوائل السنة الجديدة، عندما ستأتي بعثة موسعة للتفاوض على تفاصيل برنامج التعافي الاقتصادي والمالي المتوقع مع لبنان.

جنبلاط
على صعيد المواقف السياسية اعتبر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي #وليد جنبلاط انه “إذا مُنحت مبادرة ماكرون إمكانية إجتماع مجلس الوزراء من أجل القيام بالإصلاحات البديهية المطلوب القيام بها، أي التفاوض مع البنك الدولي من أجل الوصول إلى البطاقة التمويلية تكون “معجزة” لأن البيان المشترك السعودي – الفرنسي هو بيان موضوعي يصر على تطبيق القرارات الدولية، نحن نختلف بالشكل على القرارات الدولية لكن ما المضمون؟ عند القول إن حصرية السلاح بالدولة هذا يعيدنا إلى الإستراتيجية الدفاعية، أي أن تكون حصرية السلاح بالدولة بالدفاع عن نفسها أو بالتصرف بالسلاح، وليس أن تكون أحزاب أقوى من الدولة”. وقال في حديث إلى موقع جريدة “الانباء” الناطقة باسم الحزب في مناسبة عيد مولد والده الراحل كمال جنبلاط “تسوية الطائف كانت إعادة توزيع الحصص الطائفية بين الطوائف، لكن تضمّنت بنداً بإلغاء الطائفية السياسية، لكنه لم يُنفّذ، واليوم أكثر من أي وقتٍ مضى ندخل في لبنانٍ آخر حيث يُصادَر القرار اللبناني نهائياً، يصادَر من قبل حزب يمتد من هنا إلى الجمهورية الإسلامية، وفي الوقت نفسه هناك الأزمة الإقتصادية الهائلة” ، وشدد على أن المطلوب “نظام سياسي جديد يخرج من نظام إنتخابي جديد، لأن النظام الحالي هو نظام محاصصة بين الثنائي الشيعي والثنائي المسيحي، وأكبر الخاسرين في هذا النظام كان زعيم تيار المستقبل سعد الحريري، ونحن كأقلية حزبية والأحزاب العامة والأحزاب الوطنية التي تنادي بإلغاء الطائفية السياسية. إذاً نبدأ من بناء نظام إنتخابي جديد، هل ممكن؟ في الوقت الحاضر وبهذه المعادلة الحالية لا أعتقد، ماذا نفعل؟ ما يسمى بأحزاب التغيير موجودة وتريد التغيير، أهلاً وسهلاً بكل أحزاب التغيير وبما يسمى المجتمع المدني، فإذا إستطاع هؤلاء أن يدخلوا إلى مجلس النواب 10، 15، أو 20 نائباً جديداً ويغيروا صيغة الطائفية أهلاً وسهلاً، نساعدهم أو نلتقي معهم إذا أرادوا، إذا لم يريدوا ليس هناك أي مشكلة “.

… والجميل
في المقابل إتهم رئيس حزب الكتائب #سامي الجميل “تحالف المافيا والميليشيا بإرتكاب 3 جرائم كبرى بحق الشعب، أولاً تسليم سيادة الدولة ليُدار لبنان من الخارج بوجود ميليشيا مسلّحة على أرضه، ثانياً الجرائم المالية، وثالثاً إنفجار مرفأ بيروت، معتبراً أن ما نشهده هو محاولة المافيا والميليشيا الهروب من المسؤولية والمحاسبة”. وإذ شدد على أن “لا تغيير من دون سيادة، ولا سيادة من دون تغيير، دعا إلى مواجهة وطنية بخطاب جامع عابر للطوائف لنقول لحزب الله ان عليه التخلي عن السلاح والالتزام بالدستور والسماح للشعب بأن يعيش حياة حضارية ومتطورة ” وقال: “نريد مواجهة وطنية، فحزب الله كرّس سطوته على البلد عبر منظومة قائمة على شد العصب ويريدنا ان نتقوقع” وقال “نمدّ يدنا لكل من يؤمن بالسيادة والمحاسبة والاصلاح وبمقاربة وطنية جامعة على مساحة 10452 كلم.”

المصدر النهار