نلتقي اليوم في هذا اللقاء الجامع لنحتفل معا بإطلاق الرزمة السياحية الشتوية، وهي ثمرة تعاون بين وزارة السياحة وشركة طيران الشرق الأوسط. وهذا المشروع يشكل بارقة أمل وسط التحديات الكثيرة التي تواجه وطننا وشعبنا على الصعد كافة، وهو يعطي الأمل بأنه مهما بلغت الصعوبات، فإننا قادرون على النهوض من جديد، وأن لبنان أقوى من كل العواصف.
عندما شكلنا هذه الحكومة بعد أشهر من التعطيل والتأخير وإضاعة الفرص، أعلنا أننا قادمون في مهمة إنقاذية سريعة تضع البلد مجدداً على سكة التعافي وتطلق ورشة النهوض بالتعاون مع الجهات الدولية وصندوق النقد الدولي، إضافة الى إجراء الانتخابات النيابية، وهو الاستحقاق الأبرز الذي يتطلع إليه اللبنانيون والمجتمع الدولي، كونه سيحدد الاتجاه الفعلي في البلد بعد الأحداث التي انطلقت في السابع عشر من تشرين الأول ٢٠١٩.
ولأننا نؤمن بأن الانقاذ لا يمكن أن يكون مسؤولية فردية، أطلقنا على الحكومة اسم “معاً للإنقاذ” في دعوة صريحة لكل الأطراف والمكوّنات اللبنانية المشاركة في الحكومة، أو التي هي خارج الحكومة، لنعمل معاً من أجل الانقاذ.
اعتقدنا بأن الواقع المؤلم الذي يمر به وطننا، سيدفع الجميع الى التعالي عن الحسابات والاعتبارات الضيّقة، والمشاركة الفاعلة في العملية الانقاذية، لكن هذا الأمر لم يحصل ويا للأسف.
وإذا كان سلوك من اختاروا البقاء خارج الحكومة او ينتهجون خط المعارضة يمكن فهمه وتبريره، فإن ما يجدر التوقف عنده هو نهج التفرّد والتعطيل الذي تعرضت له الحكومة من الداخل.
فبعد شهر واحد من عمر الحكومة، واجهنا أول امتحان على طاولة مجلس الوزراء، بهدف استدراج الحكومة الى التدخل بأمر قضائي لا شأن لها به، مع ما يتركه هذا التدخل من أضرار سيئة على سمعة لبنان والقضاء فيه وعلى التماسك الحكومي تالياً.
من هنا فقد حددنا المسلمات التي نتعاطى بها مع أي ملف قضائي، مع تفهم الظروف التي أوصلت هذا الملف الى ما وصل إليه.
حاولنا قدر المستطاع وسعينا بكل قوة الى ان يبقى الملف القضائي لانفجار مرفأ بيروت في عهدة القضاء، ورفضنا التدخل فيه مع التشديد على تصويب الشطط الذي وقع فيه المحقق العدلي، وخاصة في موضوع محاكمة الرؤساء والوزراء المناط حسب المادة ٨٠ من الدستور بالمجلس النيابي، إلا أن الأمر لم يغير في موقف البعض شيئاً.
وفيما كنا في صدد استكمال البحث في سبل عودة مجلس الوزراء الى الانعقاد، تعرضت الحكومة لامتحان جديد هو الأصعب، بفعل مواقف شخصية أطلقها وزير الاعلام قبل توليه الوزارة لكنها أدخلت لبنان في محظور المقاطعة من قبل المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج العربي.
وفي هذا الإطار أقول الآتي:
لا تدار البلاد بلغة التحدي والمكابرة بل بكلمة سواء تجمع اللبنانيين وتوحّدهم في ورشة عمل واحدة لإنقاذ وطنهم، ومخطئ مَنْ يعتقد أنه قادر على فرض رأيه بقوة التعطيل والتصعيد الكلامي على المنابر.
مخطئ أيضاً مَنْ يعتقد أنه يمكنه أخذ اللبنانيين الى خيارات بعيدة عن تاريخهم وعمقهم العربي وعلاقاتهم الوطيدة على كل الصعد مع الدول العربية ودول الخليج خاصة ومع المملكة العربية السعودية تحديداً.
مخطئ أيضا مَنْ يعتقد أنه، وفي لحظة تحولات معينة لم تتضح معالمها النهائية بعد، يمكنه الانقلاب على الدستور وإعادة الوطن الى دوامة الاقتتال الداخلي والانقسامات التي لا نزال ندفع ثمنها غالياً حتى اليوم.
في المقابل، ثمة نقاط أود التوقف عندها لعلّ البعض يفهم خارطة الطريق التي عقدت العزم على السير بها لإنجاح العمل الحكومي والنهوض بالوطن، وتتلخص بالآتي:
مجلس الوزراء هو المكان الطبيعي لمناقشة كل الملفات والقضايا التي تعني الحكومة بعيداً عن الإملاءات والتحديات والصوت المرتفع واستخدام لغة الوعيد والتهديد. ولن يكون مجلس الوزراء أبداً مكاناً للتدخل في أي شأن لا يخص الحكومة، وتحديداً في عمل القضاء.
على جميع الوزراء التزام التضامن الوزاري والتقيد بمضمون البيان الوزاري، الذي حدد القواعد الأساسية لعمل الحكومة وسياستها. وكل ما يقال خارج هذه الثوابت مرفوض ولا يلزم الحكومة بشيء.
إننا عازمون على معالجة ملف العلاقة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الشقيقة وفق القواعد السليمة. ولن نترك هذا الملف أبداً عرضة للتساجل وللكباش السياسي، وسنسعى بالتعاون مع جميع المخلصين للعودة عن القرارات المتخذة بما يعيد صفو العلاقات اللبنانية مع امتداده العربي الطبيعي.
وفي هذا السياق أيضاً فإنني أكرر دعوة وزير الإعلام الى تحكيم ضميره وتقدير الظروف واتخاذ الموقف الذي ينبغي اتخاذه، وتغليب المصلحة الوطنية على الشعارات الشعبوية. ويبقى رهاني على حسه الوطني لتقدير الظرف ومصلحة اللبنانيين مقيمين ومنتشرين، وعدم التسبب بضرب الحكومة وتشتيتها، بحيث لا تعود قادرة على الانتاج والعمل، وتضييع المزيد من الوقت.
هذه هي أولويات الحل وخارطة الطريق الطبيعية للخروج من الأزمة. ومخطئ مَن يعتقد أن التعطيل ورفع السقوف السياسية هو الحل. وعلى الجميع أن يقتنعوا أنه لا يمكن لأي فريق أن يختصر البلد والشعب لوحده بقرار يتعلق بثوابت وطنية لا تتبدل.
أدعو الجميع الى اختصار الطريق والقيام بالخطوات المطلوبة للمساهمة في الحل، مع التشديد على عودة الحكومة الى العمل بنشاط وايجابية وتعويض الأيام التي ضاعت هدراً في مناكفات مجانية. وتعالوا نتجه جميعاً بقلب منفتح صوب أشقائنا ونعيد وصل ما انقطع بيننا نتيجة الظروف الماضية.
أمامنا اجتماعات ولقاءات فاصلة قبل تحديد الكلمة الفصل في كل شأن عقدنا العزم على معالجته بشكل تام. وعلى الجميع ملاقاتنا في هذا العمل الانقاذي المنشود.
تعالوا الى كلمة سواء تحمي اللبنانيين ووطن الأرز ولنبتعد جميعاً عن المناكفات.
هذا هو طريق الحل ولا حل سواه فلنختصر الوقت والمسافات للولوج الى العمل المنتج المنتظر. والله ولي التوفيق.