ليبانون ديبايت” – ميشال نصر
سرق الحدث الخليجي الأضواء عن العقوبات الأميركية، على ضخامة وخطورة رسائلها، رغم اقتناع الكثيرين بوجود ترابطٍ بين الحدثين، لجهة التداعيات.
فمع انفجار جبهة الرياض بيروت، سقطت ورقة التوت عن “حكومة الصدفة”، بعدما تخلّى عنها راعيها، ليتبيّن بالوجه الشرعي أن كلّ ما قيل وسُرّب عن دعمٍ دولي وعربي لها، ما هو إلاّ “بلفة”، فداب الثلج وبان المرج عند أول مطبّ، لتتوالى المصائب، ويقع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في “شرّ تركيبته” جانياً على نفسه وعلى مستقبله السياسي، مع انفجار الأزمة الخليجية في “وجهه”،هو الذي” شاف يلّي قبله كيف مات”، وما زال مصراً على “غشّ نفسه” بدعم موهوم.
طبيعي أن حجم العقوبات الخليجية المتوقعة، أكبر وأبعد من مواقف وزير الإعلام جورج قرداحي، وإن كانت الأخيرة من أسبابها المباشرة، و”الشعرة التي قسمت ظهر البعير”، إذ لا يمكن إسقاط البعد الدولي والإقليمي، من مسار المفاوضات في فيينا إلى تلك الجارية في مسقط وبغداد من الحسابات.
فالقراءة المتأنية لما بين سطور بيان الخارجية السعودية، وما تلاها من مواقف تصعيدية، تبيّن وجود مسارين متشابكين، الأول، “الكيل الذي طفح” من عجز الدولة وتقاعسها عن الوفاء بالتزاماتها لجهة وقفها لحملات استهداف المملكة، والتي عادت وتيرتها بقوة مع أحداث الطيونة – عين الرمانة، ولا تنتهي مع عجز الحكومة عن ضبط الحدود وعمليات التهريب، بحسب مصادر سعودية، وهنا تكمن خطورة المعلومات المسرّبة عن إتجاه لفرض عقوبات على أشخاصٍ وكيانات ومؤسسات رسمية، ما يفوق بأشواط، خطر وقف التحويلات والإستيراد وحركة الطيران. لذلك فإن أي حلٍّ مرتبط بالدرجة الأولى بسلوك لبنان الرسمي الذي لم يتحوّل أو يتبدّل، رغم كل الفرص التي أُعطيت له في ظلّ التمسّك بحكومةٍ خاضعة لسيطرة “حزب الله” وحلفائه، وليست حكومة مستقلّين، وهو ما بيّنته تبعية الوزراء لمرجعياتهم.
أمّا البعد الثاني، والكلام للمصادر، فهو لا يقلّ أهمية، مع رهن “حزب الله” البلاد، خدمةً لأجندة وحسابات المحور الإيراني، ما جعل من الصعب بعد اليوم، فصل لبنان عن هذا المسار وتحييد مؤسساته الرسمية، وهي عمليةٌ بدأت مع فرض عقوبات أميركية – قطرية مشتركة على الحزب، تلاها إدراج “القرض الحسن” على لوائح العقوبات، في عملية استدراجٍ واضحة لحارة حريك التي وقعت في الفخ الذي نُصب لها، دون إغفال العقوبات الأميركية الأخيرة. كل ذلك ليصبّ في خانة “الهجمة المُضادّة” ضد طهران التي رفضت مناقشة الملفات الإقليمية العالقة، بل ذهبت أبعد من ذلك محيلة ًالمفاوض السعودي في بغداد، الى أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله، في حال أراد الخروج من مأزقه اليمني.
وهنا تشير المصادر، إلى أن مواقف الوزير اللبناني، تبقى تفصيلاً أمام سلوك الدولة اللبنانية، التي تغاضت عن تحوّل أراضيها ملاذاً لتدريب المقاتلين الحوثيين، ومنصّةً لمنظومتهم الإعلامية، ومقرّاً لقياداتهم، وقد سبق للمملكة أن راجعت أكثر من مرة، معتبرةً أن عدم التجاوب يعني أن بيروت قد قرّرت أن تكون طرفاً. وبالتالي، فإن لبنان تأخّر كثيراً في معالجة وتدارك نتائج هذه الأزمات عن قصد، ما يدفع بالأمور إلى مزيدٍ من التصعيد وإلى أجلٍ غير محدد، جازمةً، بأن ذلك، وخلافاً للسائد، لا يصبّ بتاتاً في مصلحة سيطرة الحزب على الدولة بل على العكس تماماً .
ملاحظةُ لافتة وسط هذا المشهد، ما يُمكن لمتابع الإعلام السعودي، خلال الساعات الماضية من استنتاجه، لجهة “تعلية السقف” الى حدود المطالبة برحيل رئيس الجمهورية ميشال عون، ما ينقل المواجهة إلى مكان آخر، في حال رُبط الأمر بالعقوبات الأميركية الأخيرة والجهات التي طالتها.
فهل التصعيد الأخير هو ردّ على ما يجري في مأرب؟ أم هو إشارة الإنطلاق الفعلية “لماراتون” التصعيد الأميركي في المنطقة؟ هل هو خروجٌ سعودي وخليجي نهائي من لبنان، أم على العكس بوابةٌ للعودة إليه من الباب العريض؟ هل هو اتفاق سعودي – سوري برعاية إماراتية لانهاء حكومة الميقاتي؟ هل نجحت عملية استدراج الحارة؟ وهل يستسلم “حزب الله” فيخسر الجولة؟ والأهمّ، هل هي حرب اللاعودة على قاعدة غالب ومغلوب؟
لا التمنيات ولا المناشدات، أو البكاء على الأطلال، على قاعدة “ضربني وبكا، سبقني واشتكى”، و”تغيدتو قبل ما يتعشاني”، ستنفع في تغيير ما كُتب… مع تحوّل أزمة قرداحي إلى أزمات. فالعلاج ليس حتماً في مجمل المواقف والإجراءات التي حاولت بها المنظومة سحب فتيل الإنفجار، والتي تبقى دون مستوى الأزمة. فاستقالة “القرداحي” تفصيلٌ في المسار الطويل، الذي لا قدرة للبنان على تحمّل تبعاته، والذي أقلّه في حال “زبطت الأمور”، النأي الخليجي بالنفس عن مساعدة لبنان أو المساهمة بإخراجه من أزمته، وما مسارعة الكويت المعروفة بحسن تدبيرها، والتي راهن عليها رئيس الحكومة لخرق الحصار العربي، سوى دليل عمّا ستكون عليه الأوضاع والمواقف… في كل الأحوال، لن تطول الساعات لمعرفة لتطورات السلبية التي ستاتي حتماً بمشهد جديد لن تكتمل صورته، إلاّ بحدث أمني أو عسكري كبير يقلب التوازنات، ونقطة عالسطر.