جهاد نافع – الديار
من طرابلس الى عكار، مرورا بالمنية، ومثلها الضنية، ازمة معيشية لدى اكثر من ثمانين في المئة من العائلات خاصة مع افتتاح المدارس الرسمية…
رب عائلة تجمد الدمعة في عينيه، عندما اشترط سائق « الاوتوكار» أجرة شهرية تبلغ خمسمئة ألف ليرة لايصال ابنته من منزلها الى المدرسة التي لا تبعد سوى كيلومترين فقط، اي نصف راتبه المحدود.
وآخر مريض احتاج الى «تاكسي» لايصاله الى مركز صحي يبعد ثلاثة كيلومترات، فأشترط عليه أجرة مئة وخمسين ألف ليرة، والحجة ان صفيحة المازوت بلغ سعرها عشرين دولارا.
بورصة المحروقات الى ارتفاع اسبوعيا، حتى قارورة الغاز بيعت في عكار بثلاثمئة وخمسين ألف ليرة ، ربطة الخبز تباع بعشرة آلاف ليرة، ولنفترض عائلة من خمسة أفراد كم تحتاج الى ربطة خبز يوميا؟…
عملية حسابية بسيطة، لنفترض ان هذه العائلة تتناول صباحا وظهرا عشرة أرغفة، يعني انها تحتاج الى ربطتين سعرهما عشرين ألف ليرة، ولنفترض ان راتب الموظف يبلغ مليونا وخمسمئة ألف ليرة يقتطع منه ستمائة ألف ثمن خبز و٣٥٠ ألف قارورة غاز شهريا، فيبقى له ٥٥٠ ألف ليرة مصروفه الشهري لصفيحة بنزين واشتراك كهرباء ودواء وماء، اما السلع الغذائية فهنا الطامة الكبرى…
كيف تستطيع هذه العائلات ان تعيش براتب مليون وخمسمئة ألف، او مليونين وخمسمئة ألف وحتى لو بلغ الراتب خمسة ملايين ليرة ؟؟…
هذا دون الاشارة الى واقع العمال والاجراء الذين لا يتجاوز دخلهم سبعمئة ألف ليرة.
في مكتبه المتواضع الذي يقع ضمن دائرة شعبية في طرابلس، يستقبل الشيخ عبد الكريم النشار (رئيس «حركة الناصريين العرب») شرائح شعبية من الاسواق الداخلية، ومن القبة والتبانة وابي سمراء، يحملون الوصفات الطبية، او يشكون له اوجاعهم وآلامهم وعجزهم وما آلت اليه اوضاعهم العائلية، وفقرهم المدقع شاهد على معاناتهم في مدينة وصفت تاريخيا بأم الفقير،لانها المدينة التي كانت خيراتها تعمّ الجميع بزنود اهلها..
يطلق الشيخ عبد الكريم النشار صرخة مدوية برسالة الى رؤساء الجمهورية العماد عون، والنواب نبيه بري، والحكومة نجيب ميقاتي، داعيا اياهم الى الانصات لأنين الفقراء الموجوعين المعدمين، بل المحكومين بأعدام من سلطة سياسية تلتهي في سجالاتها وفي خلافاتها وتدير الاذن الطرشاء تاركة الناس في معاناتهم لا يسألون ولا يسعون لحلول ممكنة ومعروضة عليهم.
ويسأل عن دور للحكومة التي يسافر رئيسها من بلد لآخر، فيما الدولار يزداد ارتفاعا يفترس الليرة اللبنانية، والمحروقات الى ارتفاع اسبوعيا، والغلاء الفاحش نال من كل السلع الاساسية، وفي ظل ذلك تقف الحكومة عاجزة، واصبحت تحتاج الى إنقاذ نتيجة تخبطها…
ويقول النشار ان حلولا وضعت امام هذه الحكومة، ونستغرب تجاهل هذه الحلول خشية عقوبات اميركية، او خشية من قانون قيصر ، ويتساءل : ألم يكن ممكنا استيراد النفط والمحروقات من ايران بالليرة اللبنانية لحل ازمة سعر البنزين والمازوت؟ ولماذا لم تتجاوب الحكومة مع المشاريع الايرانية لحل جذري لازمة الكهرباء؟ ولماذا اطلقت هذه الحكومة على نفسها اسم حكومة معا للانقاذ، وهي ليست قادرة على انقاذ نفسها؟ أليس التوجه نحو الدول الشقيقة والصديقة مثل العراق وايران يؤدي الى حلول مفيدة للمواطنين المقهورين وينقذهم من العتمة ومن الخضوع لاسعار البنزين والمازوت والغاز وصولا الى ربطة الخبز ولقمة العيش الكريم؟…
يستغرب الشيخ النشار غياب الذين تظاهروا وقطعوا الطرقات واعتدوا على الممتلكات بحجة «الثورة»، فاذا بهم يغيبون عن الشوارع رغم الانهيار المالي والمعيشي الذي وصلت اليه البلاد، وخروجهم من الشارع دلالة على انهم ازلام السلطة ونزلوا لتنفيذ اجندات، ولا يُفهم من كلامي انني ادعوهم الى النزول للشوارع وقطع الطرقات وتخريب الممتلكات، بل ادعو الشرفاء الذين يتلمّسون وجع الناس تلمّسا حقيقيا وليس خدمة لاجندات سياسية، ادعوهم الى تنظيم تظاهرات حضارية ضاغطة لا تقطع طرقات ولا تخرّب ممتلكات ولا تمنع الموظفين والعمال من الوصول الى اعمالهم وارزاقهم.
وتوجّه الى الطبقة السياسية الحاكمة داعيا اياها الى قرارات سريعة لانقاذ الناس من الموت فقرا وجوعا وعلى ابواب مستشفيات لا ترحم…