لا شك في أن مَن يرّوج لسياسة إنهيار لبنان، ماليًا وإقتصاديًا، لا يبالغون في التوصيف، إذ ينطلقون في حملة الترويج هذه من وقائع لا تقبل الجدل ولا تحمل في طياتها أسبابًا تخفيفية قبل إعلان لبنان دولة مفلسة بكل المعايير المعتمدة دوليًا في مثل الحالات التي تشبه أوضاعها، إلى حدود معينة، وضعية لبنان الموضوع في غرفة العناية الفائقة، بعد التدهور الظاهر في حالته الصحّية غير القابلة للشفاء، إن لم تُتخذ إجراءات علاجية فورية وسريعة تنقذه من مصيره المحتوم، مع ما يترتب على عدم إلتزام حكومته بدفع سندات الدين الخارجي في مواعيدها، خصوصًا أن أداء حكومة حسّان دياب موضوع تحت المراقبة المكثفة.
وبغض النظر عمن يروج لهذا الإنهيار فإن الأسباب الموجبة تنبع من الداخل اللبناني بعدما وضع لبنان في واجهة المواجهات، وذلك بفعل إنغماس فئة من اللبنانيين في الصراع الدائر في المنطقة، والتي تدخل في مخطط إعادة رسم خارطته السياسية، وذلك بعدما تحولت ساحاتها إلى صراع نفوذ بين القوى الدولية والإقليمية.
ولولا إنغماس “حزب الله” في مطحنة المصالح المتشابكة لكان لبنان، وفق بعض الأوساط التي لا تزال تنادي بسياسة النأي بالنفس، ينتظر في قاعة الجلوس بدلًا من الإنتظار في الملاجىء إتقاءً من شظايا الحرب الإقتصادية التي تُشّن عليه، كوسيلة ضغط أميركية على “حزب الله”، بعدما إعتبرت واشنطن أن حكومة دياب هي الواجهة الخلفية لما يقوم به الحزب تحت ستار أنه مكّون أساسي من مكّونات التركيبة اللبنانية القائمة حتى إشعار آخر على توازنات حسّاسة يعرفها الأميركيون جيدًا، ويعرفها أكثر الفرنسيون، الذين يحافظون على علاقات جيدة مع جميع الأطراف اللبنانية بخلفية إقليمية.
ولأن المنحى الذي يسير عليه لبنان في واقعه الحاضر، في ضوء غلبة واضحة لـ”حزب الله”، يزعج الإدارة الأميركية المنشغلة حاليًا في التهيئة لإنتخاباتها الرئاسية والضغط في إتجاه التجديد لولاية ثانية للرئيس دونالد ترامب، فإن الساحة اللبنانية الداخلية مقبلة، فضلًا عن أزماتها الإقتصادية والمالية، على مزيد من العقوبات، التي ستطاول هذه المرّة شخصيات غير سياسية قد يكون لها إرتباطات مصالح مع “حزب الله”، والتي يُتوقع أن يكون لهذه العقوبات مفاعيل سلبية على وضعية لبنان الإقتصادية، في ظل الضغوطات التي تمارسها واشنطن على عدد من العواصم العربية والأوروبية للحؤول دون تقديم مساعدات مالية له، والذي لا يمكن أن تستقيم أوضاع لبنان الكارثية من دونها، بعد التخبط الذي تبديه حكومة دياب حيال الأزمات الداهمة، والتي يعتبر بعض المراقبين أنها لا تصبّ في خانة إستعادته العافية المطلوبة، التي تؤهله للخروج من غرفة العناية المكثّفة.
وفي رأي هؤلاء المراقبين أن إنهيار لبنان يعني إعادة تموضعه في المحيط الذي كان ينتمي إليه قبل صعود نجم “حزب الله”، الذي تحمّله واشنطن مسؤولية ما وصل إليه لبنان نتيجة السياسات الخاطئة، التي وضعته في المكان غير المناسب وغير المنسجم مع المعادلة الأميركية، التي تريد أن تجعل من لبنان ساحة مستقرّة وموطئًا لها كبديل عن تراجعها السياسي والعسكري في المنطقة، وبالأخصّ في سوريا.
المصدر : Lebanon 24