ميساء جبولي
منذ سنتين تقريباً، كنت مراسلة لأحد البرامج التلفزيونية، اتصل بي شخص طالباً مني عرض قصته على وسائل الإعلام قائلاً: “أنا شب لبناني، كنت مديون بمبلغ مالي، وما قدرت ادفعه، خطفوني، وأنا اليوم مسجون مع 17 شخص وفي معنا بنات كمان، وكل يوم بيهددونا انو رح يقتلونا ويستأصلوا أعضائنا ويبيعون، حاطينا بغرفة تحت الأرض إلنا أكتر من شهر، وكل يوم بيقولولنا انو رح يسفرونا وهنيك يبيعو أعضائنا، بترجاكي تساعديني. اليوم بعتوني على بيروت على أساس أمّن المبلغ يلي بدن يا مني تحت المراقبة أكيد ومعي لبكرا الصبح ورح إرجع، ومن المأكد انو باقي المخطوفين منن مديونين متلي بس كرمال يبيعولن أعضائن”.
في اللحظة الأولى، ودون مبالغة شعرت وكأنني في فيلم خيالي، أو أن أحداً ما يقوم “بممازحتي”، وبعد إصرار الشاب على الإسراع بمساعدته قبل فوات الأوان وأنه مضطر للعودة إلى “سجنه” في اليوم التالي، عندها قلت: ربما الموضوع جدّي فلِمَ لا أقابله، واتفقت معه أن نلتقي عند الخامسة مساءً في منطقة الدورة لأطَّلع منه على التفاصيل وما يملك من دلائل، كونه رفض إعطائي كافة أي معلومة على الهاتف، إلاّ أن اللقاء لم يحصل والإتصال مذاك الوقت انقطع.
حتى اليوم، لم أستطع أن أعرف مصير هذا الشخص ومن قال إنهم مسجونين معه، إلا أنه وفي كل مرة يعود الحديث عن تجارة الأعضاء في لبنان، أعود وأتذكر تلك الحادثة وأتأكد أكثر أنه لم يكن “ضرباً” نفّذه أحد الأصدقاء.
اليوم، وبينما تقوم شعوب في العالم بالصعود الى القمر، هناك شعوب تتدحرج نحو الهاوية، قابعة تحت خط الذل والفقر، حيث تتفشى ظاهرة بيع الأعضاء بشكل جنوني. في لبنان ومع تردي الأوضاع المعيشية، هناك أشخاص لم يعد يعنيهم ما يسمح به القانون أو يمنعه، ويقومون بعرض أعضائهم للبيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومجموعات واتساب، فيما تقوم مجموعات أخرى (تجّار) باستغلال ظروفهم بلا ضمير ولا رقيب ولا حسيب، وتسوق لمطالبها عارضة الأسعار والمواصفات: فلكل كلية سعر، حسب نظافتها أو عمر الشخص، مدخناً كان أم لا، ولكل عضو من الجسم سعر خاص ومواصفات معينة.
وهكذا… أصبح لأعضائنا مكان للتسوق في العالم الإفتراضي.
العم سليم الحموي، لبناني من طرابلس، انتشرت صورته منذ سنوات على وسائل التواصل الإجتماعي عارضاً كليته للبيع من أجل تأمين لقمة عيش لأبنائه. وفي حديث مع موقع “ليبانون فايلز” يقول الحموي: لا أبغي الربح المادي وليس هدفي التجارة، انما قررت أن أبيع كليتي لتأمين الخبز لأبنائي، ابني اليوم من ذوي الإحتياجات الخاصة وليس بمقدوري أن أؤمّن له مدرسة خاصة، فما كان بوسعي إلا ان أعرض كليتي للبيع.
وتابع: اتصل بي بعدها شخصان ولكن لم تحصل عملية الاستئصال، فالأول لم تتطابق معه فحوصات الأنسجة، أما الآخر فتوفي.
وأضاف الحموي: بعدما انتشرت صورتي، اتصل بي أشخاص كثر من الجنسية السورية في لبنان طالبين مساعدتي في بيع كليتهم، ولكنني حتماً لم أتجاوب معهم.
الإتجار بالبشر في لبنان: حقيقة أم مجرد تهويل؟
وعن حقيقة الإتجار بالبشر في لبنان، يؤكد الدكتور والباحث في القانون الياس أبو رجيلي في حديث مع موقع “ليبانون فايلز” أن: ذلك يحصل فعلاً، إما عبر مجموعات لبنانية لها علاقات في الخارج أو منظمات وطنية يصعب كشفها، حتى أن الدولة يصعب عليها كشفها.
فهذه المنظمات تستغل فقر وجوع المواطن، خاصة من هم في حالة فقر مدقع أو من هم في المخيمات، فترتكب “جريمة مستترة” لا يمكن كشفها، إلا إذا أراد مواطن خضع لعملية اتجار أن يبلّغ عنها.
وأضاف أبو رجيلي أن: معظم عمليات الهجرة غير الشرعية التي تحصل، تكون بهدف الاتجار بالبشر وبيع أعضائهم.
وتابع: ما يحصل اليوم في إيران حيث يقف إيرانيون بانتظار دورهم لبيع أعضائهم، هو خير دليل أن الاتجار بالبشر موجود ولا أحد يمكنه أن ينكر ذلك.
وعن سؤالنا إذا ما كان هناك علاقة لما يحصل في إيران بلبنان، ينكر أبو رجيلي وجود أي علاقة بين ما يحصل في البلدين فيما يخص الاتجار بالبشر.
عملية الإتجار في لبنان… كيف تحصل؟
في لبنان، يكشف أبو رجيلي أن: عملية الإتجار تحصل من خلال تاجر يقيم في سوريا، ووسيط في لبنان، وتجري عملية التشاور، العرض والطلب، الأسعار، ومواصفات الكلى وغيرها، وربما تحصل عملية استئصال الكلى أيضا في مستشفيات لبنانية (رفض ذكر أسماء)، أو عبر أطباء لبنانيين في عيادات خاصة.
وتأكيداً على كلام أبو رجيلي، نستذكر ما انتشر منذ سنوات على وسائل التواصل الاجتماعي عن دخول شاب في طرابلس إلى غرفة عمليات بعد تعرضه لحادث سير وخرج بلا كلى.
الرأي القانوني:
قانونياَ، يقول أبو رجيلي أن: بيع الأعضاء يقع تحت جرم الاتجار بالبشر وعقوباته تكون حسب توصيف القاضي للجرم.