كتب المحامي أمين عبد الكريم لموقع mtv:
ليس مستغرباً ان تحاول الجهات المتضررة من تحقيقات انفجار مرفأ بيروت البحث عن مخرج قانوني لها، كوسيلة للتهرب من التحقيقات والاستدعاءات التي يقوم بها المحقق العدلي طارق البيطار.
بات واضحاً ان استعمال طرق المراجعات الممنوحة للمدعى عليهم قانوناً والتي استنفذوها بغالبيتها حتى الآن، باستثناء مخاصمة الدولة، لم تكن كافية لاخراجهم من مأزقهم في ظل الحدود الضيقة المفروضة قانوناً، اذ أن قرارات المحقق العدلي المتعلقة باجراءات التحقيق غير قابلة بطبيعتها لأي طريق من طرق الطعن العادية أو غير العادية، وبالتالي لم يكن أمام المدعى عليهم سوى ممارسة الضغوط المعنوية على المحقق العدلي لدفعه الى التنحي من تلقاء نفسه معتمدين سياسة احراجه فاخراجه، وكان ذلك واضحاً من خلال تقديم المدعى عليهم بشكل غير طبيعي كمّاً هائلاً من الدعاوى التي ترمي الى ردّ المحقّق العدلي أو نقل الدعوى الى الارتياب المشروع.
الا أن صلابة القاضي “العكاري” وتصميمه على متابعة التحقيقات في الملف حتى النهاية من جهة، واصرار وعناد الرئيس العماد ميشال عون على عدم الرضوخ لأي ضغوط مهما بلغت، من جهة أخرى، فرضا أمراً واقعاً وسداً منيعاً بوجه كل من سوّلته نفسه التفكير بتسيير المحقق العدلي طارق البيطار وبوجه كل من علا صوته أو استعمل اصبعه على طاولة مجلس الوزراء.
من هنا، طرأت فكرة تعديل القانون وانشاء هيئة اتهامية كمرجع استئنافي لقرارات المحقق العدلي، فهل يكون ذلك مخرجاً للمأزق أم الغاءً لدور المجلس العدلي؟
للاجابة على هذا السؤال، يجب العودة الى سبب انشاء المجلس العدلي ودوره وعلة وجوده.
فالمجلس العدلي أنشئ بالأساس للبت بالقضايا الهامة والوطنية التي تمس أمن الدولة، وبمختلف الجرائم التي تملك طابعاً سياسيّاً وأمنيّاً، كجرائم الارهاب أو تلك الواقعة على الدستور والإعتداء أو محاولة الإعتداء التي تستهدف إثارة الحرب الأهلية أو الإقتتال الطائفي بتسليح اللبنانيين أو بحملهم على التسلّح بعضهم ضد البعض الآخر، أو الحضّ على التقتيل والنهب والتخريب، وهي محكمة خاصة تتمتع بصلاحيات استثنائية واسعة نظراً لخطورة ونوع الجرائم المرتكبة.
لذا، فان المحقق العدلي يتمتع وبقوة القانون بسلطة تحقيق واتهام في أنٍ معاً، باعتبار أن القضايا والجرائم المحالة على المجلس العدلي يجب البت بها على وجه السرعة، من دون أن يكون للمدعى عليهم المجال الواسع للمماطلة أو عرقلة التحقيق والتعسف باستعمال الحق من خلال مراجعات قضائية لا نفعَ منها.
ان هذه الصلاحية الاستثنائية المعطاة للمحقق العدلي من شأنها اعطائه امتيازاً ومناعة “اضافية” عن سائر قضاة التحقيق الذين تبقى قراراتهم القضائية (لا الادارية) بغالبيتها قابلة للفسخ من قِبَل الهيئة الاتهامية بصفتها مرجعاً استئنافيّاً لها، بالاضافة الى حق الهيئة بالتصدي لقرارات قضاة التحقيق.
فهل طرح فكرة انشاء هيئة اتهامية اليوم يرمي فعلياً الى تعزيز العدالة كما تحاول غالبية القوى السياسية تظهيره، أم ان طرحه يخفي في مضمونه تطييراً للمجلس العدلي من أساسه وبالتالي تمييع التحقيق في انفجار مرفأ بيروت وتضييع الحقيقة من خلال الغاء علة وجود المجلس العدلي ارضاءً لفئة “يشتبه بتورطها” بالانفجار، والرضوخ لتهديداتها؟
ففي حال حصول هذا الأمر بالفعل، فهذا يعني عملياً أنه لم يعُد هناك من داعٍ أوسبب للابقاء على المجلس العدلي، اذ أنه أصبحَ يَتَبِع اصول المحاكمات الجزائية نفسها المُتبعَة أمام سائر المحاكم العادية مع ما يشوبها من مماطلة وعرقلة لسير العدالة، مع فارقٍ بسيط أن السياسة ستتدخل من جديد وبشكل أقوى لتعيين رئيسٍ للهيئة الاتهامية ومستشاريه بشكل تراعى فيه كافة التوازنات الطائفية والمذهبية.
في النهاية، لمَ الحاجة اذاً لانشاء هيئة اتهامية طالما أن كلمة الفصل النهائية والضمانة الأساسية لسائر المدعى عليهم تبقى عبر المؤسسات والأطر القانونية المنصوص عنها، باعتبار أن المجلس العدلي المؤلف من الرئيس الأول لمحكمة التمييز ومن أربعة قضاة من محكمة التمييز قد يقضي في حكمه النهائي اما بتبرئة المتهمين أو إبطال التعقبات بحقهم في حال ثبوت عدم ارتكابهم لأي جرم، ويبقى القرار الاتهامي الصادر عن المحقق العدلي ليس الا قراراً اتهاميّاً مبنياً على الشبهة فقط.
ويبقى السؤال، هل هي هيئة تعطيلية؟