حريق الزهراني: الخزان للجيش… والأسباب تقنية؟

كتب محمد دهشة في نداء الوطن:

 

خلال عمليات إخماد النيران

نجت منطقة الزهراني ومعها الجنوب من كارثة جديدة جراء اندلاع حريق ضخم في احد خزانات البنزين داخل منشآت النفط، وقد حالت الاجراءات الوقائية وسرعة التدخل البشري وعدد آليات الاطفاء دون انفجاره او انتقال النيران الى الخزان المجاور ومنهما الى باقي الخزانات الاخرى او معمل توليد الطاقة القريب والذي لا يبعد عنهما سوى مئات الامتار.

 

الحريق المفاجئ أعاد الى اذهان اللبنانيين من الجنوب الى الشمال وفي قلب العاصمة بيروت الذكريات الاليمة للانفجار الكارثي الذي وقع في مرفأ بيروت في 4 آب من العام 2020 وما زالت آثاره ماثلة جرحاً نازفاً بعد سقوط 220 شهيداً واكثر من الف جريح، ما فرض استنفاراً غير مسبوق ومتابعة عن كثب من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزيري الطاقة وليد فياض والداخلية والبلديات بسام مولوي، الى الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي والدفاع المدني وفرق الاطفاء، في سرعة التعاطي مع محاصرته وإخماده فنجحت الجهود بعد اربع ساعات بتلافي وقوع اي اصابات.

 

وتعتبر منشآت الزهراني واحدة من المؤسسات الحيوية الرسمية في لبنان، وتضم معمل توليد الطاقة بثلاث مجموعات حرارية وغازية والمصفاة التي بدأ العمل فيها في أوائل عام 1950، وفي 30 أيلول عام 1986 تخلت الشركة المشغلة عن ملكيتها لصالح الدولة اللبنانية. وبقيت المصفاة تقوم بتكرير النفط إلى أن تم إيقافها بشكل كامل في عام 1989. غير ان منطقة التخزين في المصفاة ما زالت تعمل وتحتوي على خزاني البنزين و4 خزانات مازوت وخزانين للنفط الخام.

 

رواية الحريق

 

قرابة الساعة السابعة صباحاً والدقيقة خمسين اندلع الحريق، بعدما لاحظ العاملون في المنشأة تسرّب مادة البنزين الموجودة في الخزان رقم 702 ليلاً بسبب التواء سقفه المتحرك (مائل)، فقرروا نقل مخزونه المقدر بنحو 500 الف ليتر الى الخزان 701 المجاور، لكن ما جرى لم يكن في الحسبان.

 

وروى مدير منشآت النفط في الزهراني زياد الزين ان “الحريق اندلع في خزان بنزين وسيط تابع للجيش اللبناني فيه نحو 500 الف ليتر، ولا علاقة له بالتخزين (33 مليون ليتر) بل بالتسليم، فالخزان يستوعب 1مليون و700 الف ليتر، ولاحظنا ليلاً أن هناك ميولاً بسقف الخزان وحتى لا يتسرب منه قررنا اتخاذ تدبير فوري بنقل المادة الى الخزان المجاور 701، بدأ العمل السادسة صباحاً واثناء عملية النقل (250 الف ليتر) اندلع الحريق ربما بسبب شرارة او احتكاك، المهم ان سرعة التدخل والاجراءات الوقائية حالت دون انفجاره (البنزين عادة ينفجر) او الانتقال إلى الخزان الثاني القريب، اي انه لا انفجار ولا احتراق ولا اصابات ولا جرحى، لو لم يكن هناك من سياسات وقائية في المنشآت لكنا في مكان آخر.

 

وسارعت فرق الاطفاء والدفاع المدني من صيدا الى المكان وباشرت اخماد الحريق وتبريد الخزان المجاور، قبل ان تُستقدم تعزيزات في محافظتي الجنوب وبيروت حيث بلغ عدد الآليات 25 آلية، ما أسهم في سرعة السيطرة على الحريق والحؤول دون امتداد النيران الى الخزانات المجاورة بسبب كثافة دفق المياه حيث توزعت من اعلى واسفل وعلى الجوانب كافة.

 

ووصف قائد سرية اطفائية صيدا الملازم اول سليم الغضبان مشهد الحريق بـ”المخيف”، قائلاً لـ”نداء الوطن”: “كنا من الاوائل في المكان وواجهنا صعوبة في التغلب على السنة النيران بسبب قوتها وسرعة اشتعال البنزين، ولكن بفضل الله وتكاتف جهود فرق الدفاع المدني والاطفاء كافة سيطرنا على الحريق بوقت قياسي بعدما عرضنا انفسنا للخطر”.

 

وروى حسن عباس لـ”نداء الوطن”، انه كان يمر بالصدفة بالقرب من المكان بسيارته متوجهاً الى صيدا، قبل ان يستوقفه مشهد السنة النيران والدخان الاسود، فأوقف سيارته والتقط صوراً، قبل ان يتذكر انفجار بيروت الكارثي وغادر المكان خوفاً من تكراره، قائلاً “كل شيء في لبنان بات وارداً وليس غريباً او عجيباً”.

 

واشرف المدير العام للدفاع المدني العميد ريمون خطار على عملية الاطفاء التي استمرت اربع ساعات متواصلة منذ الساعة 7,50 ولغاية الساعة 11,50، غير ان الحريق حوّل الخزان هيكلاً متهالكاً، وبياض لونه الناصع الى اسود متفحّم. وهنأ عناصر الدفاع المدني على ما بذلوه من “جهود جبارة للتمكن من السيطرة التامة على الحريق من دون وقوع أي إصابات، خلال فترة زمنية قياسية بفضل اندفاع العناصر وحرصهم على منع النيران من الامتداد”.

 

ولم يقتصر الامر على عملية الاطفاء التي ساهم فيها ايضاً فريق الدفاع المدني الفلسطيني من مخيم عين الحلوة، فقد استنفر الجيش اللبناني، وتابع مدير فرع المخابرات في الجنوب العقيد سهيل حرب التفاصيل، وقام عناصره باخلاء المنطقة من المواطنين والطلب منهم عدم الاقتراب، وقطعت الطريق البحرية القريبة وحوّل السير الى الاوتوستراد العام الفوقاني. وتابع وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي مع خطار ومحافظ الجنوب منصور ضو الحريق، طالباً إتخاذ كل الاجراءات اللازمة للحؤول دون إمتداد النيران وعزل البقعة القريبة من مكانه.

 

ولم تمض اكثر من ساعتين حتى تفقد وزير الطاقة الدكتور وليد فياض موفداً من ميقاتي منشأة الزهراني، وواكب عن كثب عمليات الاطفاء، مؤكداً ان “أسباب الحريق تقنية وسيتم تشكيل لجنة تحقيق فنية تقنية ادارية لتحديد الاسباب”، وقال: “يجب أن ننتظر نتائج التحقيق كي نعلم ما إذا كان هناك من مسؤول أو مسبّب طبيعي أدّى إلى الحريق”، موضحاً ان “الخسارة تبلغ 250 ألف ليتر من البنزين وان سطح الخزان كان مائلاً ولذلك تقرّر نقل النفط منه ولدينا محدوديّة في الموارد وبالكفاءات البشرية ولذلك من الطبيعي أن يتهالك الوضع”.