إنها الحرب النفسيّة – الترويض من أجل التوقيع

كتب الدكتور جورج حرب:

تقوم آخر أساليب الحروب الحديثة، على مبدأ إبعاد جنودها عن الميدان تجنباً لوقوع ضحايا، كما وتوفيراً على اقتصادها بسبب ارتفاع كلفة الأسلحة والذخائر، ممّا يأخذ العالم إلى حروب فعّالة، قائمة على الحرب النفسيّة، في ظل توفر تلك الإلكترونية منها، عبر العالم الإفتراضي الذي دخل إلى كل منزل وعائلة.

 

 

 

إن الحرب القائمة على لبنان، هي واحدة من تلك الحروب النفسية القاسية على اللبنانيين. لقد أوهموهم بأزمة مستجدة فكانت الأزمة، ثم أوهموهم بانهيار اقتصادهم فتهافتوا على الدولار حتى الساعة وانهارت عملتهم الوطنية، وأوهموهم باستعصاء الحلول أمام هول أزماتهم، فكانت هجرة حوالي نصف مليون لبناني خلال السنة المنصرمة…

 

إنها الحرب النفسية التي تهدف دائما إلى إقناع الوعي العام باليأس من إمكانية أي عمل إيجابي، وبالتالي يأخذونهم نحو الشعور بالهزيمة قبل بدء المعركة حتى.

 

هنا، لا بد من وعيٍ جماعي إيجابي لدى اللبنانيين من أجلالخروج الطوعي والإرادي من دائرة التشويش الإعلامي التي وضعوهم في داخلها، والعودة إلى المنطق السياسي الذي دأب الإعلام الموجّه على تطويقه، وبالتالي فليتذكروا جيداً:

 

– كيف يمكن لبلد أن يكون منهاراً اقتصادياً ولا يزال يملك 15 مليار دولار من الإحتياط الإلزامي، في حين وصل هذا الأخير إلى 800 مليون دولار خلال أعوام سابقة ولم يحصل الإنهيار؟

– كيف يمكن لبلد يدخل إليه كل شهر حوالي مليار دولار من العملة الصعبة بين تحويلات المغتربين والمؤسسات الإنسانية المختصة بالنازحين، ولا يزال دولاره يرتفع؟

– كيف يمكن أن يُعتبر لبنان دولة منهارة وهو يملك أكبر مخزون من الغاز الطبيعي بين دول المنطقة والذي تفوق قيمته الألفي مليار دولار بحسب التقرير الذي وضعته بريتيش بتروليوم، والذي أتى كردة فعل بريطانية على استبعاد الفرنسيين والأميريكيين لها من المناقصات والتنقيب؟

– كيف يمكن أن يعيش اللبنانيون هذا الشعور الإنهزامي ولديهم ضمانة الذهب الذي يتعدى ثمنه 15 مليار دولار؟

– كيف يمكن أن يعيشوا حتى الساعة أزمة البنزين والكهرباء، في ظل بدء تدفق المحروقات من العراق، والغاز من مصر والكهرباء من مصر في القريب العاجل، بالإضافة إلى النفط الإيراني عبر قنواته الخاصة؟

 

هذا كله، لأن حرباً نفسية تخاض ضد اللبنانيين، هدفها الوحيد وضعهم في هذه العزلة الفكرية، والتي تهدف أجهزة إستخبارات عالمية من ورائها، الترويض من اجل التوقيع، وكم من تواقيع قاتلة يريدها منا العالم، بدءًا بالتوطين الفلسطيني، وصولاً إلى تلزيمات الغاز في البلوك 4، والتسوية مع العدو الإسرائيلي في البلوك 9، ومروراً بالتوقيع على عقود إعمارٍ لشركات عالمية عينُها على البلد، هي كثيرة، ولسنا بوارد التفصيل الآن.

 

 

 

باختصار، إنه زمن التسويات، اتفقوا على بعضها، وبعضها الآخر في مرحلة المفاوضات، والتسريبات توحي بسنين جميلة تنتظر لبنان واللبنانيين، دستورياً وأمنياً ومالياً ونفطياً، وكل ما يقال خارج ذلك، ينطلق من قاعدة “إهزمه نفسياً كي يقبل بأي عقدٍ أُمليه عليه بعد فترة”.