الخصية بـ 800 ألف دولار.. تجارة الأعضاء بين لبنان والعراق وسوريا!

نداء الوطن

ليس جديداً كلُّ الهمس الذي نسمعه عن لبنانيين يريدون بيع الكلى والخصيتين و”فص الكبد” ليصمدوا في “الوطن”، لكن المسألة وما فيها أن أعداد هؤلاء ارتفعت كثيراً وأصبح الثالوث المنكوب: العراق وسوريا ولبنان مرتعاً لشعوب بدأت تبيع أعضاءها بالمفرق والجملة. فلنتتبع قصص هؤلاء في عالمٍ هناك من وصل فيه الى المريخ وهناك من نزل فيه الى ما تحت وتحت جهنم! وبماذا تجيب جمعية “نود” لوهب الأعضاء من يتحدّث عن تجارة الأعضاء في لبنان؟

 

هناك إعلانات عن بيع وشراء تجرى “على عينك يا تاجر”، بلا خوف ولا قلق ولا تردد، من أشخاص خسروا كل شيء وما عاد أمامهم إلا بيع أعضائهم بالقطعة. وهناك أشخاص، تجار، يتربصون بالبلد ويعرضون البيع والشراء ويُسمسرون لقاء عمولة. وهناك من يهوى القهقهة على كل هؤلاء فيجاريهم في المقايضة للتسلية. وكل هؤلاء وأولئك ينتسبون الى مجموعات تحت أسماء “بيع الكلى في لبنان” و”بيع الأعضاء بالجملة” و”بيع كلية” و”بيع كلية في دمشق” و”بيع كلى في أربيل”… وتتمدد تلك المجموعات تحت عناوين تجارية أوسع: “بيع الأعضاء في إيران” و”بيع الأعضاء في تركيا”… فهناك في مربعنا الجغرافي من يبيع ويشتري، والعين دائماً على الدول الفقيرة، وهل من بلد أفقر من “لبنان الجديد”؟

 

دعونا نسأل الفقراء: لماذا تعرضون بيع أغلى ما تملكون: صحتكم؟ هل نجحتم؟ هل هناك من عرض عليكم الشراء؟

 

اتصلت “نداء الوطن” بواحد عرض شراء كُلية وثلاثة عرضوا البيع أحدهم سوري ويدعى عبد الشيخو ويعيش في لبنان، وثانيهم عراقي يعيش في أربيل وسمى نفسه “غربة السنين” وثالثهما إمرأة تدعى حليمة المعلم نزلت الى ساحات الثورة مع طفلها رافعة يافطة كتبت عليها: كلية للبيع. أما الرابع فهو عرض الشراء واسمه المستعار “فرانكلين”.

 

كدتُ أبيع كُليتي

 

فلنبدأ من اللبنانية حليمة. هي فعلت ذلك بعدما ضاقت الدنيا في عينيها وتشرح: “كنا نعيش في فاقة كبيرة، ويوم أدخل زوجي، مخلّص المعاملات، الى السجن بسبب ادعاء أحد السوريين عليه بأنه أخذ منه مالاً لقاء إنجاز إقامة له ولم يفعل. فوجدت نفسي وحدي مع طفلين أحدهما في الحادية عشرة من عمره وثانيهما في الرابعة من عمرها. فقررت ان أعمل على سيارة زوجي العمومية كي أجني مالاً أطعمهما به. عملت لكن المردود كان قليلاً جداً. فأتى صاحب اللوحة العمومية يطالب بأجرها. وفي نفس اليوم أتى صاحب البيت الذي نسكن فيه في حي اللجا في المصيطبة يطالب بكل “المكسور” أو إخلاء البيت فوراً. وفي نفس اليوم أيضاً نام اولادي بلا فطور ولا عشاء. أقفلت كل الدنيا في وجهي خصوصاً ان لا أحد ممن لجأت إليهم للمساعدة قبلوا بإقراضي المال فلم يبقَ أمامي إلا بيع كُليتي. والله العظيم هذا ما اردتُ فعله. “وحياة ولادي كنت بدي بيع”. كنتُ سأفعل أي شيء كي لا يبيت الطفلان في الشارع”.

 

حصل ذلك قبل نحو عام. فهل باعت كُليتها؟ تجيب: “لا والله. سمع زياد شبيب (وكان لا يزال محافظ مدينة بيروت) فاتصل بي شباب من قبله وقابلوا صاحب الشقة ودفعوا له كل المستحقات. كما تلقيت في أقل من يومين أكثر من مئتي إتصال من أشخاص يتمتعون بقلوب بيضاء سألوا عن سبيل المساعدة. تراجعت. لكن، بصدقٍ اقول، أنني في تلك اللحظة التي قررت فيها عرض كُليتي للبيع فعلت وأنا بكامل الوعي. فالفقر المدقع يجعل الأم تتناسى حالها أمام أطفالها. جوع الأطفال مدمّر. كنت منكسرة القلب ومكسورة مالياً. والآن ما زلنا نعيش العوز لكننا نحاول الصمود. ووالله إذا رأيت أطفالي يجوعون من جديد فسأبيع كل أعضائي من أجلهم”.

 

لكن، من أين أتتها فكرة بيع كُليتها؟ هل رأت من سبقها وفعل ذلك؟ تجيب: “ذات يوم كنا نمر فيه بأحلك الظروف مع زوجي تحدثنا عن ذلك فقال: أنا من أبيع لا أنت. لكن، حين وجدت نفسي وحيدة قررت أن أفعل أنا ذلك كي لا يعوز أطفالي شيئاً”.

 

نسمع صوتها يتهدج ألماً وهي تتحدث فلا نعرف بماذا نجيبها. هل نقول لها: هذا حرام؟ هذا ليس قانونياً؟ نسكت وننصت إليها وتتحدث عن شيء تألمت لأنها فعلته وهو السماح لابنها أن يرافقها الى الشارع وهي تعرض كُليتها للبيع وتقول: “هذا ما لم يكن جائزاً فعله. وهذا ما ندمت على فعله. مدرسة اطفالي أعفتني من كل المستحقات أيضاً وجمع المدير كل التلاميذ في بهو المدرسة قبل عودتهما إليها وقال لهم: إياكم وفتح هذا الحديث مجدداً مع الطفلين. وهذا بالفعل ما حدث”.

 

قصة الوالدة حليمة مثلها مثل قصص لبنانيين كثر ما زالوا يعانون اليوم ويفكرون في سبل النجاة ولا يرونها إلا ببيع أعضائهم. فهل تسمع بهم دولتنا المصون؟

 

جاهز للبيع

 

فلنسأل السوري الشيخو عن سبب عرض بيع كُليته في موقع “كُلية للبيع” هو أيضاً؟

 

يتحدث السوري من الآخر: “بدي مصاري”. هو يسكن في برج حمود ويعمل في محل لبيع الشاورما في الأشرفية. هو يبيع سندويش الشاورما الى الناس بسعر 52 ألف ليرة. وأولاده لم يروا اللحمة منذ أشهر كثيرة. هو لديه ستة أطفال والسابع على الطريق. فزوجته دخلت في شهرها. لكن، لماذا يزيد أزمته بمزيد من الإنجاب؟ يجيب “تزوجت خمس مرات. الأولى أنجبت طفلين وماتت نتيجة قذيفة سقطت عليها في حلب. الثانية ماتت بمرض السرطان. والثالثة كانت عراقية تنوي السفر الى كندا. تزوجتها علها تنشلني من حالتي وأغادر معها الى هناك. غادرت مع طفلنا ولم تعد. اما الرابعة فبعد ان انجبت طفلاً قالت لي: لا اريد رعاية اطفالك فطلقتها. اما الخامسة التي هي الى جانبي اليوم فحامل بطفلها الأول. نلومه؟ كثيرون قد يفعلون. هو يتحدث عن والدته المريضة التي هي ايضاً على نفقته ويقسم انه لم يتقاضَ قرشاً حتى الآن من هيئة الأمم التي طلب منها موعداً فأعطي ذلك في 8 كانون الأول 2022. أي بعد 14 شهراً. والحل؟ بيع كُليته؟ هو بالفعل اجرى فحوصاً لذلك فتبين ان مناعته تبلغ 99 في المئة. وها هو يقول لمن ينوي الشراء أنه يكفيه ان يأكل القليل من العسل فتصبح مناعته مئة في المئة.

 

يبدو أن الفقراء باتوا يلجأون الى آخر ما يملكون وهو أعضاءهم.

 

الخصية بـ 800 ألف دولار!

 

فلنسأل العراقي “غربة السنين” عن سبب عرض خصيته هو أيضا للبيع علناً؟

 

يجيب “أنا عراقي، عمري 50 عاماً، أنوي بيع خصيتي بسعر 6 دفاتر”. ماذا يقصد بستة دفاتر؟ يجيب: 600 ألف دولار أميركي. لكن أليس السعر باهظاً ؟ يجيب: “سعر الخصية عندنا 800 ألف دولار لكنني أراعي المشتري. ويُحدد السعر بحسب النسبة. أي نسبة؟ يجيب: “نسبة تحليل الخصية. نسأله: عذراً، لكن لماذا يريد بيع قطعة من جسده؟ يجيب: “أعاني من ظروف إقتصادية سيئة للغاية وعلي دين لا أستطيع سداده. وأريد شراء سكن لعائلتي”.

 

نتركه آملاً أن نجد له شارياً.

 

شخص رابع تحفّظ على ذكر اسمه. لنسمّه فرانكلين. رأيناه يعرض الشراء في لبنان مع اشتراطه “أن يكون المتبرع يحمل فئة الدم o إيجابي أو o سلبي وأن يتجاوز عمره 27 عاماً، على أن يكون المتبرع من الجنسية اللبنانية فقط بناء على قانون وزارة الصحة”. فهل هو تاجر؟ يجيب: “لدي شخص بحاجة ماسة الى كلية “وكل مريض يتاح له فرصة للحصول على كلية سيحصل عليها لأن المريض في لبنان لا يعرف الى من يتوجه للحصول عليها رسمياً. ولا توجد أي جهة رسمية ترد عليه. فلا بديل للمريض إلا الشراء”. يشدد فرانكلين على “انه لا يريد وجع الرأس في الموضوع وهمه الوحيد هو المريض” ويطلب “أن تتكلموا عن السوريين في لبنان الذين بينهم حالياً كثير من سماسرة شراء الأعضاء وعلى عينك يا تاجر. إنهم يشترونها ثم يبيعونها الى إيران وتركيا حيث بيع الأعضاء رائج هناك. هو يتحدث عن وجود سوق شرعي لبيع الأعضاء في إيران يبيع فيه الفقراء كل أعضائهم. وهناك ايرانيون يشترون. وهناك من يبيع الى تركيا ايضاً”. وينبّه فرانكلين الى أمر يفترض التنبّه إليه ووقع هو فيه “عرض احدهم بيع كُليته لنا فأجرينا له كل الفحوصات اللازمة باسمه وحين انتهينا طلب فحوصاته من المستشفى واختفى”. ثمة مافيا في الموضوع.

 

ثمة مافيا في بيع الأعضاء في الدول الفقيرة ولبنان دخل فيها.

 

القانون يمنع

 

الإعلام العالمي بدأ يتحدث عن الموضوع وبكثرة بعد أن بات كثير من اللبنانيين ينامون “بلا عشاء”. لكن، هل علينا أن نعلن الإستنفار العام في الموضوع؟ ما تعليق جمعية “نود” لوهب الأعضاء؟

 

الإجابة أتت على لسان المنسقة العامة للهيئة الوطنية فريدة يونان التي سألناها: هل اللبناني محمي من تلك التجارة ومن سوق البيع والشراء؟ تجيب “نعم لبنان محمي لأنه لا توجد تجارة أعضاء في لبنان. فمنذ العام 2014 بعد تعيين الهيئة الوطنية المسؤولة الحصرية على مراقبة كل عملية وهب أعضاء تحصل على الأراضي اللبنانية وبعد تعميم برنامج وهب الأعضاء من الأحياء والمتوفين على المؤسسات الإستشفائية استناداً على قانون الآداب الطبية رقم 240 المادة 30 منه عام 2012.

 

لكن، ماذا عن اللبنانيين الذين يعرضون البيع في “لحظة تخلٍّ” وضعف وعوز شديد بسبب الأوضاع الإقتصادية؟ فهل صادفت الجمعية مثلهم؟ وكيف تعاطت معهم؟

 

تجيب يونان “غالباً ما يتصل بنا أمثال هؤلاء لهذا الغرض، والبعض منهم يضعون إعلانات على مواقع التواصل الإجتماعي، لكن هذا لا يعني أنهم يستطيعون ان يصلوا الى مرادهم لأننا نشرح لهم بوضوح ان القانون اللبناني يمنع بيع الأعضاء والجميع ملزم بتطبيق القانون”.

 

سؤالٌ آخر نطرحه: هل من يبيع كُلية أو خصية او فص كبد يعود كما كان؟ تجيب “الموضوع خارج البحث لأن لا بيع أعضاء في لبنان إنما وهب الأعضاء المجاني وغير المشروط هو المسموح حسب القانون اللبناني وضمن العائلة او من المتوفين اي وهب أخلاقي إنساني وقانوني، علماً أن وهب الخصية غير مسموح قانوناً وشرعاً. ولأن الضوابط التي وضعتها الهيئة الوطنية لتنظيم عمليات وهب الأعضاء في لبنان تعتمد على شرطين أساسيين: عدم وجود أي حافز مادي وحماية الواهب الحي التي تشترط إلزامية القيام بتقييم طبي شامل من فريق الزرع وتقييم نفسي ومتابعة دورية بعد الزرع”.

 

القانون قانون والفقر فقر ومآسي لبنان واللبنانيين باتت على كل شفة ولسان. في القانون البيع والشراء ممنوعان لكن لا أحد قادر ان ينفي من ان يكون الإتفاق يجري في لبنان أما التنفيذ ففي مكان آخر. وللبحث صلة.