لبنانيون يقاطعون المولدات ويعودون إلى القناديل والبطاريات

ازداد الطلب في لبنان على القناديل التي تعمل على الكاز

كتب بشير مصطفى في اندبندنت عربية:

 

“عزيزي المشترك، بدءاً من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، سيتم تقاضي التعرفة بالدولار الأميركي”، رسالة صادمة تلقاها مواطنون لبنانيون يعانون من غياب الكهرباء ويضطرون إلى الاستعانة بالمولدات الخاصة التي تنتشر في لبنان ويملكها أفراد.

 

وقد تباينت ردود الفعل حيال هذا القرار الذي أقدم عليه أصحاب المولدات الخاصة، فهناك من يجد نفسه مضطراً إلى الاستمرار بالاعتماد على “الاشتراك”، فيما هناك من سيوقفه “إذا ما أصر أصحاب المولدات على التعرفة بالدولار”.

 

في موازاة ذلك، بدأت مسيرة البحث عن البديل لإنارة المنازل والمؤسسات، وكأن الظلمة أصبحت قدراً في أوساط الفقراء ومحدودي الدخل. وتعددت الوسائل المستخدمة على قدر المداخيل، بدءاً بالوسائل البدائية وصولاً إلى الطاقة النظيفة التي تعتمد على الطاقة الشمسية.

 

المقاطعة حل

 

حالة من السخط تلمستها “اندبندنت عربية” في جولتها على عدد من الأسواق التجارية، حيث يجد أصحاب المحال في التسعيرة الجديدة للاشتراك “زيادة في الأعباء”. وكانت الانطباعات متفاوتة في ما بين أصحاب المهن المتعددة، وكان لافتاً وجود عدد من المؤسسات المعتمة، فيما استعان آخرون بضوء “الهاتف الخليوي”.

 

أبو ناصر، مالك مصبغة، يجزم أن مهمته صارت صعبة ومؤسسته مهددة بالخطر. ويقول “قام أصحاب المولدات بتسعير 5 أمبير بـ 65 دولاراً، أي حوالى المليون ومئة ألف ليرة بحسب سعر السوق الموازية (السوداء)، أي زيادة الضعف عما يدفعه حالياً، وهو 500 ألف ليرة”. لذلك، هو يخطط لوقف الاشتراك في المحل، وربما يلجأ إلى تنفيذ أعماله في المنزل لأنه لا يمكنه تحمل دفع فاتورتين.

 

أما حسن، صاحب محل لبيع الخضار في سوق العطارين، فيؤكد أنه طلب من صاحب المولد فصله بدءاً من الشهر المقبل، لأنه لا يوجد لديه بضائع تحتاج إلى التبريد، والطقس يميل نحو البرودة في فصل الشتاء.

 

والموقف نفسه يؤكده صاحب محل لبيع الأسماك، فهو بدأ الاستعانة بالثلج، ويحضر الكمية بناء على طلب زبائنه.

 

وقد اتخذ آخرون موقف أقل جذرية، وتحديداً أصحاب محال اللحوم والألبان والأجبان، الذين سيخفضون الاستهلاك، فيما قرر وسام مشاطرة جاره الذي يبيع الألبسة بالاشتراك، فهو لا يحتاج إلى أكثر من أمبير واحد لتشغيل الضوء المثبت في سقف محله الصغير.

 

ويشكو أصحاب المولدات من غلاء المازوت، وكذلك تسعير الدولة لهذه المادة بالدولار السوقي، إذ تصل كلفة الاستحصال على الطن الواحد 650 دولاراً. ما سينعكس بصورة مباشرة على كلفة الإنتاج التي يتحملها المالك، والتسعيرة التي يدفعها المواطن المشترك. عليه، ليس هناك من مخرج إلا إمساك الدولة بزمام المبادرة وإنتاج الطاقة الكهربائية الكافية.

 

القنديل والمولد النقال

 

وفي سياق البحث عن بديل يرتفع الطلب على القنديل الذي يعمل على الكاز، وهو وسيلة كان يستخدمها اللبناني قبل حوالى النصف قرن. وتلفت أمال، مديرة أحد المتاجر، إلى أن القنديل يشهد إقبالاً كبيراً من أجل إنارة البيوت. ويتراوح ثمن القنديل بين 100 ألف و200 ألف ليرة لبنانية (نحو 11 دولاراً).

 

وانتشرت عملية بيع الشمع، وخصوصاً في البيوت التي لا يمكن سكانها شراء وسائل أعلى ثمناً. ويبلغ ثمن الشمعة حوالى ألفي ليرة لبنانية (دولار ونصف). وهذه الوسائل على غرابتها، عادت إلى الحياة في ظل الأزمة الراهنة وتقنين الكهرباء الذي يقارب 22 ساعة في غالبية مناطق الأطراف في لبنان.

 

إلى جانب الأدوات التقليدية، عادت إلى الشوارع المولدات المتحركة التي تعمل على البنزين. وعاد الهدير إلى الشوارع والشرفات. وباتت تنتشر محال عرض المولدات الصفراء التي يقارب ثمن الجهاز بقوة 10 أمبير 500 دولار أميركي. فيما يبلغ ثمن المولد الأصغر عتبة 300 دولار أميركي.

 

ويؤكد نبيل، وهو مواطن قرر فصل الاشتراك عن منزله، أنه جهز بيته بمولد لأن لديه طفلاً يعاني من الربو، ويحتاج إلى ثلاث جرعات من الأوكسجين يومياً. وهو سيقوم بشراء البنزين، بحيث يشغل الموتير عندما يحتاج ابنه إلى جرعة الأوكسجين. وفي الأوقات الأخرى سيعتمد على إضاءة المصباح الموصول ببطارية، وهي الأقل كلفة بين سائر الخيارات المتاحة.

 

ويلاحظ نبيل أن “الناس تواسي نفسها عندما تقول إنه لا توجد مشكلة في الاستعانة بوسائل الإنارة القديمة، أو تلك التي شاعت في أزمنة الحرب الأهلية”. ويستهجن عدم اعتماد “التوربينات” لتوليد الطاقة الكهربائية في بلاد تذهب مياهه هدراً إلى البحر، ويحظى بطاقة هوائية طوال أشهر العام”.

 

ولجأ أصحاب المصالح والحرف الصناعية الصغيرة إلى هذه المولدات، فهم يتحملون كلفتها لمرة واحدة، عوضاً عن دفع الدولارات لصاحب المولد شهرياً، ذلك أن كلفة 10 أمبير حوالى 130 دولاراً شهرياً، أي أن ثمن المولد المتحرك يوازي 4 فواتير للمولدات الخاصة.

 

الضوء المشحون

 

دفعت خطوة تقنين الاشتراك وغياب كهرباء الدولة إلى أزمة في محال بيع الأدوات المنزلية، حيث تشهد إقبالاً غير مسبوق على الضوء الذي يتم شحنه مسبقاً. وتتراوح أسعار هذه الأجهزة بين 10 دولارات و30 دولاراً كسعر وسطي. ويؤكد عدد من أصحاب المؤسسات أن أسعار هذه الأجهزة تضاعفت من المصدر بسبب الطلب عليها. لذلك، فإن الحصول على “طلبية” يستغرق أحياناً ثلاثة أسابيع. وتعتبر الأجهزة المشحونة حلولاً مؤقتة، وتؤمن الإضاءة الخافتة للمنازل لساعات، علماً أنها تحتاج إلى مصدر طاقة كهربائية من أجل الشحن.

 

ويصف تجار الأجهزة الكهربائية الإقبال على أجهزة UPS بـ “المخيف” على أبواب الشتاء، فالناس تبحث عن بديل لأنه يصعب على العامة تحمل تسعيرة اشتراك المولد الخاص التي توازي ضعفي الحد الأدنى للأجور.

 

ولا بد من التأكيد أن الطلب يزداد على الجهاز من قبل الطبقة الوسطى، فثمن UPS النحاس هو حوالى 140 دولاراً، وتلزمه بطارية يتراوح ثمنها بين 90 للكورية المنشأ و145 دولاراً لتلك الهندية ذات القدرة الأعلى. ويمكن ربطه إما بشبكة المنزل أو إجراء توصيلات مستقلة. ويفضل إجراء هذه التوصيلات التي يبلغ ثمن “لفة الشريط” منها 18 دولاراً أميركياً ككلفة إضافية للكابل السوري. أما الكابلات اللبنانية فيزيد ثمنها على 7 دولارات. إلا أن هذه الوسيلة تحتاج إلى الربط بالكهرباء بمعدل نصف ساعة، لكل ساعة إنارة. لذلك، لا بد من ربطها بتغذية الكهرباء العامة.

 

لذلك، يمكن الاستعاضة عنها بطريقة البطارية ولمبات النيون التي تعود من العصور الغابرة. وينصح الخبراء بالاستعاضة عنها بلمبات LED ذات الإضاءة الأعلى والاستهلاك المنخفض. ويبلغ ثمن المتر الواحد من شريط لمبات LED دولاراً أميركياً واحداً، وتوصل ببطارية وشاحن.

 

تبقى الطاقة الشمسية النظيفة أفضل الحلول، إلا أن ذلك من قبيل التنظير في بلاد افتقر ناسها. ومن خلال البحث عن عروض مختلفة لمؤسسات صناعية، يتضح أن كلفة توليد 7 أمبير من الطاقة باللجوء إلى الألواح الشمسية، يقارب مبلغ 2700 دولار أميركي، و10 أمبير تبلغ كلفتها 3600 دولار، و15 أمبير 5800 دولار، حيث يروج الاعتماد على ألواح أردنية الصناعة. أما البطارية الهندية فثمنها 400 دولار. وهذا المبلغ الطائل حالياً في ظل سعر صرف نحو 17 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد، يجعل من الطاقة النظيفة خيار الأغنياء فحسب.