تنشط بين الحين والآخر عمليات تهريب الأدوية السورية والإيرانية إلى لبنان، وجاءت صفعة انقطاع الأدوية وفقدانها من السوق لتزيد الطلب أكثر على هذه الأدوية “باعتبار أن المريض بحاجة إلى أيّ دواء مهما كان نوعه، وبالتالي الحصول على أيّ دواء أفضل من لا شيء”. هذا الواقع دفع ببعض الأطباء إلى التحذير من عدم فعالية بعضها، والبحث عن أخرى كونهم “لا يعرفون عنها شيئاً”.
وما كان في الماضي يحصل في الخفاء، بات اليوم يحدث في العلن تحت ذريعة “استحالة ترك المرضى من دون دواء”.
وعلى الرغم من ادراج وزارة الصحة 25 دواءً ايرانياً على لوائحها منذ سنة، من دون اخضاعها إلى اختبارات في مختبرات مرجعية، إلّا أنّ هذه الأدوية غير متوفرة حتى الآن في أغلب الصيدليات. وما كان يُثار في الماضي من قبل بعض المرضى والأطباء اختلف، وحتى الاخبار الذي تقدم به 4 محامين إلى النيابة العامة التي ردّته نتيجة غياب الأدلة الدامغة واعتبار “انه لا يوجد جرم في القضية”
يكثر في منطقتيّ الشمال والبقاع انتشار الأدوية السورية، في حين تبقى الأدوية الإيرانية محصورة ببعض المستوصفات التابعة لـ”حزب الله”. أما الحقائب الآتية من كلّ دول العالم فحدّث ولا حرج، ويبقى المواطن الضحية الأكبر لهذه المهزلة السياسية – الاقتصادية وتبقى الصحة على الله
لا يُخفي رئيس اللجنة الصحية النيابية الدكتور عاصم عراجي وجود “أدوية متعددة المصدر ومن اكثر من دولة. ويُعيد سبب ذلك إلى الفوضى التي يشهدها السوق اللبناني نتيجة انقطاع الأدوية وعدم استيراد التجار والشركات من جديد لخلافات بينهم وبين مصرف لبنان. ولكن هذا لا يُبرر وجودها إلّا أنّه يعكس واقع الحال الذي وصل إليه اللبنانيّ مكرهاً لتأمين أدويته مهما كانت فعاليتها وجودتها”.
وعن أكثر الأدوية الموجودة، يشير إلى أنّها مختلفة، يوجد الدواء السوري، الإيراني، الهندي ويختلف وجوده حسب المنطقة”.
وما تشهده سوريا هو تهريب بالإتجاهين، أي تهريب الأدوية من لبنان إلى سوريا من قبل بعض التجار في مراحل سابقة حتى قبل دعم الأدوية. ومع بدء الأزمة، نشطّت هذه الحركة في ظلّ دعم الأدوية لتحقيق مكاسب مادية. كما شهدنا على تهريب الأدوية من سوريا إلى لبنان نتيجة الحاجة والعوز إلى أيّ دواء حتى لو لم يكن “براند” بغية تأمين الدواء “فالكحل احلى من العمى” . وكان لافتاً أن بعض الأدوية هي لبنانية مهربة إلى سوريا وأعيدت إلى لبنان من جديد.
ويتحدّث عراجي أنّه “في الماضي، كان سكان المناطق الحدودية يلجأون إلى سوريا لتأمين الأدوية بسبب ارتفاع أسعارها في لبنان، أما اليوم أصبحت الأسباب مرتبطة بفقدانه وعدم توفّره أصلاً في لبنان”.
في المقابل، يكشف نقيب الصيادلة غسان الأمين لـ”النهار” أن الأدوية المهربة تعتبر بديلاً لسدّ الفراغ في السوق الدوائي. وبرأيي كلّ دواء مهرّب هو سيّئ لأننا نجهل كيفية تخزينه وشروط شحنه إلى لبنان والتي تؤثر في جودة ونوعية الأدوية بغضّ النظر عن مصدرها. نحن نجهل مكونات الدواء، ولا نملك مختبراً لفحصه والتأكد من جودته، ولا نملك شهادات تؤكد مدى فعاليتها واذا كانت تستوفي الشروط”.
وعليه، يشير الأمين إلى أن “الأدوية السورية موجودة في الشمال والبقاع، وقد تكون أدوية جيدة ولكن إدخالها إلى لبنان في ظروف مجهولة (حرارة الشمس- حرارة التبريد…) قد يؤثر عليها. وبعضها يُباع في صيدليات المنطقة على خلاف الأدوية الإيرانية وهي غير موجودة في الصيدليات. وهناك نوعان من الأدوية الإيرانية، دفعة وصلت كهبة إلى وزارة الصحة وأدوية أخرى تصل إلى المستوصفات التابعة لحزب الله والتي توزع هناك. ولكن المؤكد أن لا بيع او شراء لدواء إيراني في لبنان.
أما الدواء الهندي، فلا وجود له في لبنان حتى الساعة، وما هو موجود محصور بالسوري الذي يباع في صيدليات الشمال والبقاع، ويأتي عن طريق التهريب، والإيراني الذي يوزّع في بعض المستوصفات التابعة للحزب.
لذلك ناشدنا ونبهنا بأهمية معالجة ملف الدواء لأنّه ” في حال لم يُرفع الدعم عن الدواء ولم تؤمّن الأموال لدعمه، سنكون أمام فراغ مخيف، خصوصاً في ظلّ توقف عملية الاستيراد ( منذ 4 أشهر لم يتمّ استيراد أدوية جديدة إلى لبنان). وبالتالي ستُشكّل الأدوية المهربة بديلاً لسدّ هذا الفراغ في السوق الدوائي كما هي الحال اليوم”.
ّوأمام هذا الواقع، وفي ظلّ تشكيل حكومة جديدة، هل تُحلّ أزمة الدواء أم سيبقى القطاع الدوائي يتأرجح بين الشح الفاضح وأدوية سيئة وغير معروفة؟ وهل تصبح صحّة المواطن حقل تجارب إلى حين اتّخاذ قرار سياسيّ بوقف هذه المهزلة في الاستيراد وتأمين الأدوية؟