باحتفاء واسع رحب مراقبون وخبراء لبنانيون بولادة حكومة بلادهم بعد تعثر دام أكثر من عام، لكن تظل معظم التحليلات تعزو الأمر إلى جهود فرنسية إيرانية مقابل “غض طرف” أمريكي.
والجمعة، وقع الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي، مرسوما بتشكيل حكومة جديدة تضم 24 وزيراً، بعد 13 شهراً من فراغ سياسي.
وعزا خبراء لبنانيون أسباب الانفراجة المفاجئة في تشكيل الحكومة اللبنانية إلى توافق فرنسي إيراني، لا سيما وأنها تشكلت عقب 5 أيام على اتصال هاتفي بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي.
وفي تصريح للأناضول، قال خبير الشؤون الأوروبية تمام نور الدين، إن طهران أصدرت بيانا عقب الاتصال الأخير بين ماكرون ورئيسي، أعلنت فيه عن تعاون مرتقب بين البلدين وحزب الله (الموالي لإيران) لتشكيل حكومة.
وأضاف نور الدين أن فرنسا لم تنف الأمر أو تشكك في بيان إيران (في إشارة إلى موافقتها الضمنية على فحواه)، مؤكدا أن العلاقة الفرنسية الإيرانية باتت أقوى بعد تولي رئيسي الحكم في إيران يونيو/حزيران الماضي.
ورجح الخبير اللبناني أن يكون الاتفاق على تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، جاء بناء على “ضوء أخضر” منحه حلفاء إيران في لبنان (في إشارة لحزب الله).
وقال نور الدين: “هدف الحكومة الجديدة منح لبنان قبلة الحياة حتى موعد الانتخابات النيابية في 8 مايو/ أيار 2022 (..) أما في حال عدم إجرائها ستكون الحكومة هي المعنية بملء الفراغ”.
بدوره، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي منير ربيع أن “عاملين اثنين أديا الى تشكيل الحكومة اللبنانية، أولهما الضغط الفرنسي الكبير لا سيما بعد التواصل مع إيران، والثاني الترضيات الداخلية”.
واستشهد ربيع في تحليل معطيات العامل الأول بـ”صفقة شركة توتال الفرنسية لبناء مشروعات الطاقة في العراق بقيمة 27 مليار دولار، ما يحتم على باريس التنازل لصالح طهران بهدف حماية مصالحها في بغداد”.
وأضاف ربيع للأناضول: “هذه الصفقة مهدت الطريق أمام تشكيل الحكومة اللبنانية، ودفعت ماكرون إلى الإصرار على ممارسة الضغوط على القوى السياسية اللبنانية في سبيل ولادتها بعد أكثر من عام على التعثر”.
أما عن العامل الثاني فقال ربيع: “بعد أن قدم ميقاتي ترضيات إلى عون بمنحه الثلث المعطل (أي حصول فصيل سياسي على ثلث عدد الحقائب الوزارية) تم التوافق على تشكيل الحكومة الجديدة”.
وتوقع المحلل السياسي أن “تتحول الحكومة اللبنانية الى حلبة صراع سياسي في المرحلة المقبلة على وقع المزيد من التطورات على الصعيدين الداخلي والإقليمي”.
وبالنسبة للدور الأمريكي في تشكيل حكومة لبنان، اعتبر ربيع أن التوافق على التشكيل جاء عقب “غض طرف أمريكي”، لا سيما في ظل تطبيع حكومة تصريف الأعمال اللبنانية مع النظام السوري، والاستثناءات الأمريكية لبيروت من قانون قيصر.
و”قيصر” اسم شائع على قانون أمريكي لـ”حماية المدنيين في سوريا”، دخل حيز التنفيذ في يونيو/حزيران 2020، وتضمن سلسلة عقوبات اقتصادية ضد النظام السوري وحلفائه والشركات والأفراد المرتبطين به.
والجمعة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، في بيان، إن الولايات المتحدة ترحب باتفاق زعماء لبنان على تشكيل حكومة جديدة بقيادة رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي.
ودعا المسؤول الأمريكي “البرلمان اللبناني إلى الموافقة السريعة على تشكيلة الحكومة الجديدة، حتى يتسنى لها العمل على تنفيذ إصلاحات ملموسة تعالج الموقف الاقتصادي المتدهور في لبنان”.
وحدد مجلس الوزراء اللبناني، في بيان، يوم الإثنين المقبل، موعدًا لانعقاد أول جلسة وزارية للحكومة الجديدة برئاسة ميقاتي.
وفي 26 يوليو/ تموز الماضي، كلف رئيس البلاد ميشال عون، ميقاتي بتشكيل الحكومة، بعد اعتذار كل من الحريري ومصطفى أديب عن عدم إكمال المهمة، جراء خلافات بين القوى السياسية.
وستخلف حكومة ميقاتي حكومة تصريف الأعمال التي استقالت عقب 6 أيام على انفجار كارثي وقع بمرفأ بيروت في 4 أغسطس/ آب 2020.
المصدر ستيفاني راضي / الأناضول