الراعي يحذّر: ولادة حكومة أو تجديد ثورة

أشار البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرَّاعي في عظة من الديمان الى انه “كم نحن، كلّ واحد وواحدة منّا، بحاجة لأن يقف في حضرة الله القدّوس، ويتمثّل بزكّا الغنيّ ورئيس جُباة العشر للدولة! فلو فعل ذلك اصحاب السلطة والسياسة عندنا، لما وصلت أحوال لبنان واللبنانيّين إلى هذا الإنهيار الكامل السياسيّ والإقتصاديّ والماليّ، ولما عمّ الفساد الوزارات والإدارات والمجالس والهيكليّات، ولمّا تفاقم الجشع وبات القويّ يأكل الضعيف، ولما مدّ أهل السياسة يدهم على المال العام والإدارة والقضاء وبعض الأجهزة الأمنيّة، ولما سعوا إلى إدخال الروح الطائفيّة والمذهبيّة في ممارسات الوزارات والمؤسّسات العامّة والتوظيف فيها، حتى بتنا نرى بكل أسف تطبيق مقولة “صيف وشتاء على سطح واحد”.

وأضاف “يحتفل الجيش اللبناني اليوم بعيده ومعه يَحتفلُ جميعُ اللبنانيّين. وإذ نُهنّئه قيادة ورتباء وجنودًا، فانّا نؤكّد ثقتَنا بهذه المؤسّسةِ العسكريّةِ التي تَربِطُها بالشعِب اللبنانيِّ تاريخيًّا قِصّةُ وِدٍّ خاصّة. فالجيشُ اللبنانيُّ هو المُناطُ به الدفاعُ عن سيادةِ لبنان واستقلالِه، ومسؤوليّةُ حمايةِ الشعبِ في أمنِه الوطنيِّ تجاه الفِتنِ والمخطّطاتِ المشبوهةِ والإرهاب. وقد أثْبتَ الجيشُ قدرتَه على مواجهةِ التحدّياتِ. وكانت معاركُه في الجرودِ والجبالِ والسهولِ والسواحلَ والمعسكراتِ معاركَ ظافرةً. وانّا نقف وقفة اجلال وصلاة لراحة نفوس شهداء الجيش وعزاء عائلاتهم. وفيما تَمرُّ المؤسّسةُ العسكريّةُ بضائقةٍ ماديّةٍ نتيجةَ الأوضاعِ المتردّية، نَشكرُ جميعَ الدولِ الشقيقةِ والصديقةِ التي لبّت نداء قائد الجيش، وتَعاطَفت مع جيشِنا الحبيب، وأمدَّتْه بالمساعداتِ الأساسيّةِ من مختلف الانواع ليتمكّنَ من مواصلةِ القيامِ بواجباتِه وضمانِ سلامةِ المجتمع، خصوصًا في هذه المرحلةِ المحفوفة بالتطوّرات”.

وتابع “بعد ثلاثة أيّام يُطِلُّ علينا الرابعُ من آب حاملًا صَدى الانفجار، وعُمقَ المأساةِ، وآثارَ الجروحِ، وهولَ الكارثة. يُطِلُّ علينا مُثْخنًا بدماءِ الضحايا والشهداءِ، ومُبَلَّلًا بدموع الأمّهات والآباءِ والأبناء وذوي القُربى. سنة مضت ونحن ننتظر الحقيقةَ ونتيجة عمل القضاء الذي من واجبه أن يُقْدِمَ بشجاعةٍ ومن دون خوفٍ من تهديدٍ، أو وعيدٍ، أو ترغيبٍ مباشَرٍ، أو غيرِ مباشَر. لا يَجوزُ لمسارِ التحقيقِ أن يَقِفَ عند حاجزِ السياسةِ والحَصانات. يجب أن تَلتقيَ شجاعةُ الشَهادةِ وشجاعةُ القضاء لنَصلَ إلى الحقيقة. إنَّ عرقلةَ سيرِ التحقيقِ اليوم يَكشِفُ لماذا رَفض من بيدِهم القرار التحقيقَ الدُوَليَّ بالأمس؛ ذلك أنَّ التحقيقَ الدُوَليَّ لا يَعترف بالعوائقِ والحجج المحليّة”.

وقال الراعي: “كما نريد الحقيقة نريد أيضًا حكومة تتمّ بالإتفاق بين الرئيس المكلّف ورئيس الجمهوريّة وفقًا لنصّ الدستور وروحه، ولميثاق الشراكة المتساوية والمتوازنة، وبموجب الضمير الوطنيّ. كما جرت العادة مذ كانت دولةُ لبنان الكبير، قبلَ اتّفاق الطائف وبعده. ونترّقبُ أن تَتِمَّ ترجمةُ الأجواءِ الإيجابيّةِ المنبعِثةِ من المشاوراتِ بين رئيس الحكومة المكلّف ورئيس الجمهوريّة بإعلانِ حكومةٍ جديدةٍ يُطِلّان بها على الشعب والعالم. لا يجوز أن يبقى منصبُ رئاسةِ مجلسِ الوزراءِ شاغرًا. ولا يجب أن يبقى العهدُ في مرحلتِه النهائيّةِ بدون حكومة. لم يَعُدِ الوضعُ يحتملُ انتظارَ أشهرٍ أو أسابيعَ ولا حتى أيام. لسنا في سباقٍ مع الوقت، بل مع الانهيار والعقوبات الدولية. إذا وُجدت النيّةُ والإرادةُ، تؤلَّفُ الحكومةُ بأربعٍ وعشرين ساعة. لكنْ، ليس كلُّ ما يَشتهيه الشعبُ يُدركُه الحكّام. لكنّنا لا نيأس، لأنّ إرادة الشعب تبقى الأقوى، ولأنّ صوت الله قادر على اختراق ضمير المسؤولين مهما تحجّر”.

وتابع “لقد شاهدنا كيف إنّ مجرّد تكليف شخصيّةٍ لتشكيلِ الحكومةِ انخفَض سعرُ الدولار فورًا بضعةَ ألافِ ليرة، فكيف إذا تَشكّلت الحكومةُ وكانت على مستوى الآمال؟ لكن يبدو أنَّ التأليفَ لا يزال يَصطدِمُ بنوعٍ آخَرَ من الحصاناتِ هي حصاناتُ الهيمنةِ ونفوذ السياسيّين، وحصانات الأحزابِ والكتلِ والمصالح والمحاصَصة والولاءاتِ الخارجيّةِ، كما يصطدم بحساباتٍ تتعدّى تأليفَ حكومةِ إنقاذ. والمضحك المبكي أنّ الجميع أعلنوا بالأمس أنّهم لا يريدون شيئًا، وها هم اليوم يريدون كلَّ شيء. كيف يُعلنون أنّهم يريدون حكومةَ تقنيّين واختصاصيّين ومستقلّين وغيرِ حزبيّين، ويريدون، بالمقابل، أن يختاروا هم الحقائبَ ويُسمّوا الوزراء؟ البلاد لا تحتملُ المراوغةَ والمناورة. بل تحتاجُ حكومةَ إنقاذٍ فلا تتأخّروا. الشعبُ يَقفُ على خطِّ تماسٍ بين ولادةِ حكومةِ تُنقذُه أو تجديدِ ثورةٍ تُخلّصه”.