جاء في “المركزية”:
في حقبة التسعينات ومطلع الالفين، غاب الحضور السياسي المسيحي الفعلي عن الساحة اللبنانية بفعل ابعاد رئيس التيار الوطني الحر انذاك الرئيس ميشال عون الى المنفى الباريسي وسجن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على مدى احد عشر عاما. غياب قسري انتهى بعودة الاول وخروج الثاني لتعود معهما فاعلية الكلمة المسيحية في مجمل المشهد السياسي لا سيما على اثر خروج الجيش السوري من لبنان وتكوين كتل نيابية وازنة تمكنت من فرض الكلمة وتغيير الكثير من المعادلات كان ابرزها انتاج قانون انتخابي يلبي جزءا، ولو يسيرا، من الطموح المسيحي بتصحيح التمثيل في الندوة النيابية.
وصل عون الى بعبدا وانتقل جعجع الى معراب مزهوَين بانتصاراتهما التي جاءت نتاج تفاهم معراب الشهير لمحو صفحة الحرب البغيضة رافعين شعار “اوعا خيّك” الذي لم يدم طويلا ، اذ سرعان ما تعرض لسلسلة انتكاسات بعيد تسلم جبران باسيل رئاسة التيار، ظهرت اثارها فاقعة في اكثر من محطة حكومية، الى ان كان الفراق غير المعلن مع ثورة 17 تشرين حيث بات “كل رفيق بطريق”. التيار مُقدما تفاهم مار مخايل مع حزب الله الذي أمّن وصول عون الى سدة الرئاسة الاولى، وقد كانت لمعراب اليد الطولى فيه، والقوات متخذة موقعها الى جانب ثورة الشعب ضد المنظومة الفاسدة ومعلنة الحرب على السلطة وقد فتحت عياراتها النارية الثقيلة في وجه كل المنظومة بمن فيها حليف معراب رئيس الجمهورية ما ادى الى كسر الجرة بينهما وافتراقهما مجدداً.
منذ الثورة، لم يلتق الحزبان الا نادرا في محطات برلمانية “على القطعة”، حيث تقاطعت مصالحهما والاهداف في بعض الاستحقاقات، الى ان اجتمعا في الموقف مجددا امس من خلال عدم تسمية شخصية لتكليفها تشكيل حكومة انقاذ تحتاجها البلاد بأقصى سرعة، ولئن كان التباين كبيرا جدا في خلفيات القرار. التيار لان تجربته مع الرئيس نجيب ميقاتي غير مشجعة، على ما اوضح النائب باسيل، علما ان التحليلات السياسية ذهبت ابعد من ذلك بكثير في ما خص الاهداف ، خصوصا ان المعلومات كانت اشارت الى تسمية “لبنان القوي” السفير نواف سلام في اطار ما اعتبر “باسا باسيليا” للغرب ورسالة لتبييض الصفحة كسباً لرضاه ومحاولة لنزع العقوبات المفروضة عليه، قطع الحزب الطريق عليه، والقوات انسجاما مع موقفها من السلطة وتقديم الانتخابات النيابية على اي استحقاق آخر لاعادة انتاج سلطة سياسية تكون الكلمة فيها للشعب المنتفض.
القراران المسيحيان، بحسب ما تقول مصادر سياسية لـ”المركزية” ، اعادا انتاج اصطفاف اسلامي عريض سمى رئيس حكومة مقابل اصطفاف مسيحي حجب التسمية. وهو ما ادى الى خلل لدى الفريقين المسيحيين. بات التيار في مأزق والقوات في موقع الاحراج. فإن تشكلت حكومة بشروط الرئيس ميقاتي يتحول الى الرئيس القوي ويسحب غطاء القوة عن الرئيس عون، وان لم تؤلف فالمشكلة اكبر، بحيث سيتحمل وزر عرقلة ثلاث تشكيلات من مصطفى اديب الى سعد الحريري فميقاتي، الامر الذي سيضعه في زاوية العرقلة المتعمدة وتاليا قنص الشارع عليه والمطالبة باستقالته على الارجح. اما القوات فتدعو اللبنانيين الجائعين المرهقين الى انتظار الانتخابات النيابية التي لا قدرة لهم على انتظارها لتغيير الاوضاع، بل يريدون حلولا فورية سريعة تفرمل انهيارا لا يوفره الا تشكيل حكومة والمشاركة فيها لبدء المسار الانقاذي. وتضيف ان حقوق المسيحيين التي يرفع الطرفان شعارها لا تتأمن الا من خلال المشاركة في السلطة التنفيذية لا الاستقالة من الدور النيابي المنوط به تحديدا مهام التشريع ومراقبة ومحاسبة الحكومة.
وفيما تدعو الى اعادة النظر بالقراءات والقرارات السياسية المسيحية، تعتبر ان لعبة الـ” بينغ بونغ” التي يمارسها كل من جعجع وباسيل تتراوح اهدافها بين الشعبوية عشية الانتخابات والطموحات الرئاسية التوريثية، ما يهدد الدور والوجود المسيحي على الساحة السياسية في اكثر المراحل دقة وحراجة في تاريخ لبنان، وفي لحظة يشهد الشارع المسيحي موجة هجرة غير مسبوقة، في حين يعزز الاصطفاف الاسلامي العريض موقع الطائفة وحضورها، فهل ثمة من يتعظ ويستعيد الامساك بزمام المبادرة ام يعيد التاريخ نفسه؟