سارَعَ رئيس “الهيئة الوطنية الصحية-الصحة حق وكرامة” الدكتور إسماعيل سكرية إلى وصف إصدار الجدول الجديد بـ”مجزرة لائحة أسعار الأدوية”، إذ يرى أن الناس “تعجز عن تحمّلها”.
عند كل محاولة لتخفيف وطأة الأزمة على المواطنين، تغرق المنظومة الحاكمة بوحول سياساتها التي لم يعد ينفع معها أي إصلاح، بل المطلوب التغيير الجذري، وهو ما ترفضه المنظومة، ما يُعَقِّد الأزمة أكثر، ويعكس المزيد من الضغط على المواطنين، على النقيض ممّا توحيه المنظومة.
فورزاة الصحة التي أصدرت جدول الأسعار الجديدة للأدوية التي رُفِعَ عنها الدعم على أساس 1500 ليرة، ووُضِعَت أسعارها وفق سعر صرف للدولار يبلغ 12 ألف ليرة، وبالطبع تحت مشورة وغطاء مصرف لبنان، حَمَّلّت المزيد من الأثقال للمواطنين الذين لم ترتفع أجورهم، بل فَقَدَت قيمتها الشرائية أكثر فأكثر مع تخطّي سعر صرف الدولار الـ22 ألف ليرة.
الصورة الأولى للجدول
أوَّل ما يمكن التعليق عليه هو عدم تناسب الأسعار الجديدة مع القدرة الشرائية للمواطنين. فهؤلاء كانوا حتى لحظة ما قبل إعلان الجدول، يبحثون عن سبل لتأمين الدواء المرتفع الثمن والشحيح بفعل التهريب والتخزين. وكانت مهمّتهم شبه مستحيلة. فكيف بها في أعقاب ارتفاع الأسعار؟
بعض المرضى المعدمي الحال ماديًا، بحثوا عن صيدليات قادرة على بيعهم الدواء بالتجزئة، ويعود تقدير آلية البيع للصيدلاني. أدوية الحبوب والكبسولات أصبحت تُباع بالشريحة، أو الشريط، أو ما يُتعارف عليه بـ”المشط”. أما أدوية السوائل أو الشراب، فغالبًا ما يُسأل الصيدلاني عمّا إذا كان لديه دواء مُستَعمَل، قرر صاحبه وهبه للصيدلية علَّ محتاجًا يطلبه.
أفق هذا المشهد يضيق شيئًا فشيئًا تحت وطأة الأسعار الجديدة. فمن كان يملك قدرة شراء “مشط”، أصبح أمامه خيار السؤال عن حبّتين أو ثلاثة، على أمل تخفيف الألم، إلى أن تدعو الحاجة لمزيد من الحبوب. وهو ما يتوقع أحد الصيادلة حصوله. فيشير لـ”المدن” إلى أن “المُعطى الأول للجدول الجديد، غير مشجّع للصيادلة”. ولا يستبعد الصيدلاني اتّخاذ الجدول “سببًا إضافيًا لاستمرار إضراب الصيادلة، نظرًا لانعكاسه السلبي عليهم، كما على المرضى. فللصيدلاني مخاوف لم يبددها صدور الجدول، بل عزَّزَ بعضها. فجعالة الصيدلاني انخفضت إلى 20 بالمئة، وهو ما تعترض عليه نقابة الصيادلة. كما أن إبقاء الدعم على أدوية الأمراض المزمنة سيشجّع استمرار تهريبها. فضلًا عن عدم تأكيد وزارة الصحة ما إذا كانت الصيدليات ستتلقّى الكميات المطلوبة من الأدوية أم سيتواصل التقنين؟”.
مجزرة الأسعار
سارَعَ رئيس “الهيئة الوطنية الصحية-الصحة حق وكرامة” الدكتور إسماعيل سكرية إلى وصف إصدار الجدول الجديد بـ”مجزرة لائحة أسعار الأدوية”، إذ يرى أن الناس “تعجز عن تحمّلها”.
غياب القدرة الشرائية بالنسبة إلى سكرية ليس وحده المشكلة، إذ أن زيادة الأسعار بطريقة غير مدروسة، ليس سوى سياسة ممنهجة من قِبَل مصرف لبنان، ووزارة الصحة “رضخت لقرار حاكم مصرف لبنان (رياض سلامة) الذي احتسب الدولار على سعر 12 ألف ليرة، فزادت الأسعار بين أربعة وستة أضعاف”. وتَوَقَّعَ سكرية لجوء أكثرية المرضى إلى “شراء الدواء بعدد الحبات، بعد عجزهم عن دفع ثمن كامل العلبة”. والسياسة الممنهجة لمصرف لبنان، تتكامل مع سياسة المنظومة الحاكمة التي “أهدرت تسعة أشهر من دون تشكيل حكومة”. فسياسة المصرف المركزي تستند على رفع الدعم كهدف نهائي، يُمَهَّد له عبر سياسة ترشيد الدعم رويدًا. وهو ما شهده قطاع الدواء في لائحة وزارة الصحة.
لم يتلقَّ الصيادلة خبر صدور الجدول بسرور، وهُم الذين طالبوا مرارًا برفع الأسعار لتعويض خسائرهم. لكن رفع الأسعار المطلوب ليس بالشكل الفوضوي الذي حصل مع الجدول الجديد، بل بطريقة مدروسة تجمع مصلحة الصيادلة مع مصلحة المواطنين، وتحد من التهريب إن لم تمنعه نهائيًا. وهو ما لم يحصل. ومع ذلك، فوزارة الصحة “لم تنشر الجدول على صفحتها الرسمية ولم تبلغه للصيادلة بالطريقة الصحيحة، ما يعني أن القرار ليس ملزمًا بعد”، على حد ما يقوله أحد الصيادلة. ما يعني أن المرضى سيواجهون فوضى في تحديد أسعار الدواء، على نحو ترفع صيدلية ما الأسعار بالاستناد إلى الجدول، وتُبقيه أخرى وفق السعر القديم، فيما قد تضع إحدى الصيدليات سعرًا وسطيًا بين القديم والجديد.