جاء في وكالة “المركزية”:
بين تشرين الأول 2020 وتموز 2021 تسعة شهور تغيرت فيها المعطيات كثيرا، واضطر الجميع إلى خلط أوراقهم مرات عدة ليماشوا المزاج السياسي المتقلب بامتياز. غير أن حقيقة واحدة لم تتغير: الرئيس سعد الحريري هو الممثل الأقوى للمكون السني في البلاد، وله الكلمة الفصل في هوية شاغل موقع الرئاسة الثالثة. لكن هذا الواقع لا ينفي أن الرجل والمحيطين به يحسنون التقاط الاشارات السياسية الصغيرة والكبيرة، إلى حد تغيير التموضع والانتقال السلس من المعسكر الموالي إلى مقاعد المعارضة، في مرحلة مطبوعة بحماوة شعبية ستطال نيرانها بالتأكيد صناديق الاقتراع في أيار المقبل.
هذه الصورة تقدمها لـ”المركزية” مصادر سياسية مراقبة، قبل ساعات من المقابلة التلفزيونية المرتبقة للرئيس المكلف سعد الحريري، التي من المفترض أن يعلن فيها خياره في مسألة تشكيل الحكومة، اذا لم يطرأ ما يرجئها.
وتلفت المصادر إلى أن فهم إقدام الحريري على اتخاذ قرار الخروج من الحلبة الحكومية ، ان اقدم عليه، في هذا التوقيت تحديدا يفترض عودة سريعة إلى مرحلة إعلان كونه “مرشحا طبيعيا” لرئاسة الحكومة. وتشير المصادر في هذا الاطار إلى أن احتراق فرصة تكليف السفير مصطفى أديب حدت بالرئيس الحريري إلى استدراك سريع لاحتمالات غرق مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في دهاليز تصفية الحسابات السياسية التقليدية. فكان أن قدم نفسه مرشحا إلى رئاسة الحكومة. ولا شك أن في ذلك رسائل سياسية كثيرة في اتجاه خصومه، على رأسهم شركاء الأمس، لقطع الطريق على أي محاولة لتجاوز إرث الحريرية السياسية ورسم الخرائط المحلية من دون “بصمة زرقاء” يتركها زعيم تيار المستقبل في المكان الذي يراه مناسبا.
اليوم، وبعد تسعة شهور، تتابع المصادر، يبدو الحريري في وضعية الاستعداد للعودة إلى الموقع المعارض الذي لطالما شغله والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ولهذا الانتقال المباغت، على رغم إشاراته الكثيرة في مراحل سابقة كالخطاب الشهير في ذكرى 14 شباط، والرد الناري على رسالة رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب، أسبابه الكثيرة أيضا.
ذلك أن المصادر تؤكد أن الحريري الحريص على الظهور في موقع المستمع إلى مطالب الشارع الغاضب، يبدو متيقنا من أن معاقله التاريخية لم تعد قادرة على استساغة مسايرته السياسية للتيار الوطني الحر والفريق الرئاسي، على حساب ما يراه صقور التيار الأزرق مبادئ سيادية ناضل من أجلها الحريري الأب، في وقت يصر التيار على استخدام الأسلحة الكلامية في هذه المواجهة المفتوحة ذات الأبعاد الرئاسية التي ما عادت خافية على أحد. لذلك، ترجح المصادر أن يكون الحريري، الذي بات أكيدا أن التعاون مع الثنائي عون- باسيل أمر يقارب المستحيل، يفضّل اقتناص اللحظة السياسية المثالية، ليخرج من صفوف الموالين، وينصرف إلى ترتيب البيت “المستقبلي” الداخلي تمهيدا لخوض الانتخابات النيابية المقبلة، تحت شعار مواجهة العهد ورئيس التيار جبران باسيل، لقطع طريق الأحلام الرئاسية عليه. وبذلك يكون الحريري، بحسب المصادر، أصاب أكثر من عصفور بحجر واحد: ذلك أن العودة إلى المعارضة تعيد تحصين موقعه على الساحة المحلية بعد تحسين علاقاته مع الحلفاء التاريخيين كالمختارة ومعراب.
أما على المستوى السني حصرا، فإن خطوة الحريري ان حصلت، تشكل ضربة قوية لخصومه الذين يعدون بدورهم العدة لخوض غمار الانتخابات النيابية بسلاح مواجهة خيارات الحريري السياسية في المرحلة السابقة، حيث أن زعيم المستقبل يسعى إلى تأكيد أن له اليد الطولى، مع رؤساء الحكومات السابقين، في الاستحقاقات السنية، بدليل أن الرئيس نجيب ميقاتي، على سبيل المثال لا الحصر، لا يوفر فرصة إلا وينفي فيها التسريبات عن كونه على استعداد ليحل مكان الحريري في رئاسة الحكومة…لا لشيء إلا لأن أحدا ليس على استعداد لتكرار تجربة الرئيس حسان دياب.
وفي ختام شرحها للصورة الحريرية، تدعو المصادر إلى عدم تجاهل حجم الغضب اليومي الذي يفجره أهالي شهداء المرفأ أمام منزل وزير الداخلية، وسواه من المسؤولين الذين يريد المحقق العدلي في الجريمة القاضي طارق البيطار استجوابهم، معتبرة أن خروج الحريري من الصورة سيتيح له الإنضمام إلى صرخات المفجوعين بدلا من أن يكون في موقع متلقي الاتهامات السياسية… كلها تحليلات سياسية تنتظر جواب بعبدا على التشكيلة الحكومية في صيغتها الأحدث، وإن كان المكتوب يقرأ من عنوانه…