كتب منير الربيع في “المدن”:
لبنان على مسافة ساعات حاسمة: اعتذار سعد الحريري، أو استمهاله مجدداً لمفاوضات جديدة، أو معجزة ما تؤدي إلى تشكيل الحكومة. في المعطيات الراهنة وما توفر سابقاً لا مؤشرات توافق على التشكيلة الحكومية. ولكن كان لا بد من المحاولة الأخيرة، وقد وصفها الحريري بلحظة الحقيقة.
لحظة الحقيقة
هكذا أراد رمي الكرة في ملعب رئيس الجمهورية. بمعنى أوضح كأنما الحريري يقول: “وضعت التشكيلة لدى لرئيس الجمهورية فإذا رفضها تبان الحقيقة: لا يريد عون تشكيل حكومة”. وفي هذا الوقت كانت تدور حركة سياسية واسعة، يقودها باتريك دوريل، الذي التقى معظم الأفرقاء بما فيهم حزب الله، لحثهم على ضرورة التشكيل. والمصريون بدورهم حاضرون، وكذلك السفير البابوي. وذلك في سبيل توفير مقومات للتوافق وتشكيل الحكومة.
وهذه المساعي كلها، إضافة إلى تحرك حزب الله في الكواليس، محاولة لتأخير اعتذار الحريري والبحث عن فرصة أمل. لكن الرئيس المكلف قال إنه لا يمكن الانتظار أكثر، بعدما طالت مدة محاولات التشكيل.
إحراج عون أو الاعتذار
هناك إصرار على المهلة الزمنية التي منحها الحريري لعون، وغايتها واحد من احتمالين: الضغط على عون وإحراجه حيال المبعوث الفرنسي والدورين المصري والفاتيكاني. وهذا قد يدفع عون إلى قبول التشكيلة. وإذا كانت لديه ملاحظات جدية، فيمكن بحثها، بناء على موقف الرئيس نبيه برّي ونصائحه، وبناء على المساعدة الدولية.
أما الاحتمال الثاني فهو أن يكون هدف المهلة استكمال المسار المرسوم، السابق لزيارة الحريري القاهرة. أي تقديم تشكيلة حكومية يعتبرها مناسبة وعلى رئيس الجمهورية القبول بها وتوقيعها. أما إذا رفضها أو طلب إدخال تعديلات عليها، فيتجه الحريري إلى الاعتذار، ويحمل رئيس الجمهورية مسؤولية التعطيل.
مصادر بعبدا تعتبر أن لجوء الحريري إلى وضع مهلة 24 ساعة لرئيس الجمهورية، يعني أنه لا يزال مصراً على موقفه ويعمل وفق خطة واضحة للوصول إلى الاعتذار. ولو كانت المهلة جدية لما ألزم نفسه بهذه الساعات الفاصلة عن إطلالته التلفزيونية. وهكذا يعود الطرفان إلى تقاذف التهم والمسؤولية.
الخلاف مستمر رغم الجهود
ولا بد من الإشارة إلى كمية التسريبات التي ضُخت حول تعديل الحريري تشكيلته الحكومية بعد زيارة القاهرة، بحثاً عن تفاهم وتوافق. ونُسب ذلك إلى جهود فرنسية-مصرية-فاتيكانية، وإلى اللقاء الذي عقده السفير البابوي مع عون. واستهدفت هذه الجهود تسهيل التوافق على إنجاز التشكيلة الحكومية. تعتبر المصادر أن كل هذه التسريبات كان هدفها إقامة مظلة جديدة للتعمية على حقيقة الأمر وعلى الخلاف القائم والمستفحل بين الطرفين.
والخلاف مستمر على ما تضمنته التشكيلة من تغيير للتوزيع السابق. وأشارت مصادر بعبدا إلى أن الحريري استرد وزارة الداخلية وسمى لها شخصية سنّية، بعدما اعتبر عون أنها ستكون من حصته ويسمي لها وزيراً أرثوذكسياً، وأعاد الخارجية لوزير ماروني. وطلب عون مهلة للدراسة، لكن الحريري أصر على مهلة اليوم الواحد. وهذا أزعج الرئيس الذي عقد اجتماعاً تقييمياً لفريقه، حضره باسيل وجريصاتي وآخرون.
وقد تصرف عون ببرود مع الحريري، والتزم عدم الانفعال أو إصدار أي موقف من شأنه أن يحمله مسؤولية التعطيل أو رفض التشكيلة. لذلك قال إنه يحتاج إلى دراستها. وبذلك يسحب ورقة قد يستخدمها الحريري ضده.
ويلتف الرئيس المكلف على هذا الأمر من خلال جسّه نبض بعبدا يوم الخميس، قبل اطلالته التلفزيونية. وفي حال لم يلتمس جواباً، أو طالب عون بتعديلات كثيرة، يعتبر أن الرئيس قد رفضها ويتجه إلى الاعتذار، وخصوصاً أنه ألزم نفسه بمقابلة تلفزيونية عنوانها “بدون تكليف”.
عون وسكرة انتصاراته
أما عن البيان المصري الداعم للحريري بوضوح، إضافة إلى الكلام عن استعداد مصر لإرسال وفد إلى لبنان لمواكبة عملية تشكيل الحكومة، وعقد مؤتمر دولي لمساعدة لبنان، فأهدافها بعيدة المدى ولا علاقة باللحظة الآنية في عملية التشكيل.
فالقوى الإقليمية والدولية تعتبر أن عون لا يريد الحريري، وينتظر لحظة اعتذاره بفارغ الصبر، ليعلن انتصاره السياسي الكبير: انتصار في معركة الدفاع عن صلاحيات رئيس الجمهورية في وجه رئاسة الحكومة. وانتصار على رئيس مجلس النواب نبيه برّي صاحب التمسك بسعد الحريري والمبادرة التي على أساسها استمر الحريري مكلفاً. وانتصار على المجلس النيابي كله، والذي أعاد تجديد تكليف الحريري بعد رسالة عون. وانتصار على المجلس الإسلامي الشرعي.
وفي محاولة لتجنيب عون سكرة هذه الانتصارات، تم العمل على تطويقه بحركة إقليمية- دولية. وفي هذا السياق تندرج حرب التسريبات، ومنها الحديث عن أن الحريري أدخل تعديلات على تشكيلته الحكومية لتصبح مقبولة، بعد تدخل مصري-فرنسي-فاتيكاني.
وفي حال رفض عون التشكيلة واستمر على رفضه الحريري رئيساً، يكون قد وجه ضربة إلى هذه القوى الثلاث، وتنقلب الأمور عليه، ويصبح هو من رفض المسعى الفاتيكاني.
والساعات المقبلة حاسمة بين اعتذار الحريري، أو بقائه وتأجيل لحظة الحسم. وما بينهما استمرار الانهيار والأزمات المتوالية في انتظار البحث عن بديل.