جاء في “المركزية”:
ليست بعض المواقف في حاجة الى ان تُقال بالمباشر وبالكلمات الصريحة، كي تُفهم. فبين سطور ما اعلنه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الاثنين، في شأن التحقيقات في جريمة انفجار المرفأ، قُرئ بوضوح، ان الرجل غير راض عن اداء المحقق العدلي القاضي طارق بيطار ولا عن الاستدعاءات التي اصدرها نهاية الاسبوع الماضي، وذلك بحسب ما تقوله لـ”المركزية” مصادر سياسية معارضة.
ففي حين اعتبر ان تبلُّغ المعنيين استدعاءهم عبر الاعلام “شكلٌ من أشكال التوظيف السياسي للقضية، وسابقاً رفضنا هذا الموضوع ونعود لنؤكد رفضنا له”، قال نصرالله: “سأترك التعليق لوقت آخر حتى تصل الإخبارات القضائية الحقيقية، لنرى صحة ما تم تداوله وتسريبه في وسائل الإعلام”. واضاف: “نسعى إلى العدالة والحقيقة. حتى الآن لا تزال العدالة بعيدة والحقيقة مخفية. على مدى اشهر طالبنا قاضي التحقيق السابق والحالي، بنشر الملف التقني والتحقيق الفني حول هذه الحادثة المهولة. وحتى الآن لا حياة لمن تنادي”. وسأل: “هل ما حصل تفجير؟ هل ما حصل أمر متعمّد؟ هل سببه الإهمال؟ هل كان في مرفأ بيروت صواريخ للمقاومة؟ هل كان فيه مخازن سلاح للمقاومة كما قيل في الأيام والأسابيع الأولى؟ هل ثمة عمل قضائي حقيقي أم ثمة استهداف سياسي”؟
تماما كما صوّب نصرالله في السابق على القاضي فادي صوّان، وانتهت القضية الى كفّ يده، ها هو مجددا اليوم ينتقد خلَفَه بيطار. والى تشكيكه في نزاهة قرارات الاخير، لم يتردد الامين العام في القول على الملأ، وعلى مسامع آلاف المصابين والمشردين وذوي الشهداء والضحايا، ان العدالة بعيدة المنال. ووفق المصادر، في هذه السلبية كلّها، محاولةٌ واضحة لعرقلة التحقيقات ومنعها من التقدّم. وفي الواقع، يبدو هذا الكلام الذي يُحبط بلا شك معنويات اللبنانيين، موجَّها الى الجهات التي طلب منها بيطار اذونات ملاحقة واستماع الى بعض الشخصيات ولرفع الحصانات عنها، بألا تتجاوب مع هذا الطلب! كما ان موقف نصرالله المتشائم، لا بل المنزعج من سلوك بيطار، موجّهٌ ايضا الى الاخير، وقد يُعتبر في احسن الاحوال كنصيحة بتصحيح المسار، وفي أسوأ الاحوال، قد يكون تحذيرا مبطّنا ناعما، بأن عدم مراجعة حساباته، وذهابَه ابعد في استجواباته، وعدمَ قوله “الحقيقة التي يريد الحزبُ منه ان يقولها”، قد يُنهي مشواره في القضية باكرا، تماما كما انتهى مشوار سلفه القاضي صوّان.
فهل تفعل رسائل نصرالله فعلها، وتتعثّر عجلة التحقيقات من جديد، عشية الذكرى السنوية الاولى على زلزال 4 آب؟ من المبكر التكهّن في ما سيحصل، لكن بحسب المصادر، الخشيةُ جدية ومشروعة من وضع العصي مرة اخرى، في عجلات بيطار. على اي حال، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري امس إلى جلسة مشتركة لهيئة مكتب مجلس النواب ولجنة الإدارة والعدل يوم الجمعة المقبل لدرس طلب رفع الحصانة. وما سيخرج به هذا الاجتماع، قد يشكّل دليلا على المسار الذي ستسلكه المنظومة في التعاطي مع الاستدعاءات بعد ان كانت نجحت في احباطها في جولتها الاولى… لكن القرار الذي سيصدر عن مجلس النواب، حتى ولو كان ايجابيا، يجب انتظارُ تطبيقه عمليّا، فالعبرةُ في التنفيذ، والتجاربُ مع المنظومة لا تدفع الى الثقة ولا الى الارتياح سريعا، اذ غالبا ما تُخرِج من جيوبها أرانب، في اللحظات الاخيرة لإنقاذ نفسها والهروب من المحاسبة… لكن اليوم، تختم المصادر، العالمُ بأسره يرصد ما سيحصل، تماما كما اللبنانيون، وما يطالبان به هو الحقيقة كاملة، كما هي، لا تلك التي تناسب هذا الطرف او ذاك، واذا لم تتحقق العدالة عبر قضاء لبنان فالتحقيق الدولي لا بد آت والحقيقة ستعلن.