إلى حين تبيان ما ستفرزه “الأيام الحاسمة” حكومياً، تستمر “حزورة” التشكيل ام الاعتذار مادة للاجتهادات السياسية والتوقعات المتفاوتة. وضمن هذا السياق، يدور أخذ وردّ حول خيار الاعتذار، وهل هو يخدم الرئيس المكلّف سعد الحريري ام يضرّه؟
يبدو اعتذار الرئيس الحريري اكثر تعقيداً مما يتصور البعض، فهو يرتبط بمجموعة اعتبارات شخصية و»مستقبلية» وسياسية واقليمية، وحصوله يستدعي على الاقل حداً أدنى من التقاطع بين هذه الاعتبارات، الامر الذي يفسّر تريث الحريري طيلة الفترة السابقة، وتمسّكه بالتنسيق المسبق مع الرئيس نبيه بري، على رغم انّه تعرّض الى الإحراج الشديد في مرات عدة بغية إخراجه.
يعرف الحريري انّ ما بعد الاعتذار لن يكون كما قبله بالنسبة إليه والى مجمل المعادلة الداخلية، ولذلك فهو يجد نفسه معنياً بإجراء حسابات دقيقة قبل أن يتخذ القرار النهائي، خصوصاً انّ اي خطأ في التقدير سيكون مكلفاً وسيجرّ خلفه تداعيات متلاحقة.
وعليه، يتجنّب الحريري ان يتخذ قرار الاعتذار تحت وطأة الانفعال او خضوعاً لضغط رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل. هو يريد “تطويع” احتمال الاعتذار لحساباته وتكييفه معها، بدل ان يصبح عبئاً عليها وهدية مجانية لخصومه.
بمعنى آخر، يسعى الحريري الى الحصول على نوع من “اللقاح السياسي” لتحصين مناعته قبل أن يستقبل جسمه السياسي فيروس الاعتذار، والّا فإنّه لا يستسيغ خوض مغامرة غير محسوبة في مرحلة لا تتحّمل المجازفات، فإما حكومة مقنعة له وإما خروج آمن.
ومع انّ البعض يفترض انّ انسحاب الحريري بعد أشهر من المواجهة مع عون وباسيل سيكون كناية عن “استسلام” قد يؤثر سلباً على مستقبله السياسي، الاّ انّ آخرين لديهم اقتناع بأنّ اعتذاره في هذا التوقيت سيكون مربحاً له.
ووفق رأي هؤلاء، اذا تشكّلت الحكومة الجديدة برئاسة الحريري، لن تستطيع أن تحقق إنجازات نوعية خلال الفترة القصيرة التي تفصل عن موعد إجراء الانتخابات النيابية بعد نحو 10 أشهر، وذلك للأسباب الآتية:
– انّ الجميع سيدخل قريباً في معمعة الانتخابات النيابية التي ستطغى حساباتها ومتطلباتها على اي امر آخر، وسيغدو معيار الكسب الانتخابي مع ما يرافقه من مزايدات هو المعتمد.
– انّ حجم الازمة الاقتصادية كبير جداً ومعقّد كثيراً، بحيث لن تكفي بضعة أشهر لاحتوائه، إذ انّ الحكومة ستصبح مستقيلة حكماً عقب الانتخابات.
– انّ اي قرارات اقتصادية ومالية تُتخذ في مثل هذه الظروف ستكون غير شعبية وستزيد نقمة الناس على اصحابها.
– انّ التعايش بين عون وباسيل من جهة والحريري من جهة اخرى، بات صعباً جداً، عقب معارك داحس والغبراء التي خاضوها على امتداد اكثر من 8 اشهر، والاكيد انّ رئيس الجمهورية ورئيس التيار لن يتركا الحريري يعمل على سجيته.
– انّ الموقف السعودي السلبي من الحريري لن يسهّل استقطاب الدعم المالي لحكومته.
ولذا، يرى أصحاب هذه المطالعة، انّ مصلحة الحريري تكمن في الاعتذار، ومن ثم تثبيت تموضعه في خندق معارضة العهد، واستطراداً التفرّغ لتحضير عدّة الانتخابات المصيرية، والقيام بجولات على المناطق، من اجل اعادة استنهاض القواعد الشعبية وتعبئتها، تمهيداً لعودة قوية الى رئاسة الحكومة.
واذا كان هناك بين مناصري الحريري من يرفض خيار اعتذاره حتى لا يبدو هزيمة أمام عون وباسيل، غير أنّ الناصحين به يلفتون الى انّ الصورة ليست على هذا النحو. إذ انّ الحريري قد يخسر تكتيكياً في الشكل، لكنه سيكون رابحاً على المستوى الاستراتيجي. منبهين الى أنّ الهزيمة الأصعب هي التي يمكن أن يتلقّاها خلال وجوده على رأس الحكومة في الموسم الانتخابي، وسط الافتقار الى عوامل النجاح، وما سوى ذلك يستطيع تعويضه.
المصدر – الجمهورية