كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
إنه لفرقٌ كبيرٌ بين مشهد مساء الخميس الفائت ومشهد يوم السبت ليل الأحد، مع أن المشهدين يتكرران كثيراً في مدينة طرابلس في الأشهر الأخيرة؛ إلا أن مشهد ليل السبت – الأحد بات الأكثر تكراراً وانتشاراً، وهذا ما تؤكده الأحداث المتلاحقة في عاصمة الشمال في الأشهر الأخيرة، ولعل المشهد الثاني يأتي دائماً بما يشبه الردّ على المشهد الأول.
مشهد الخميس يُظهر مسيرة كبيرة قوامها أطفال مدينة طرابلس بشكل أساسي، نزلوا إلى الشارع وعبّروا عن وجعهم ووجع أهاليهم، وحقهم في أن ينالوا أبسط حقوقهم في دولتهم، لا أن يصبحوا أسرى البحث عن الخبز والدواء والحليب وغيرها من المواد الغذائية والتموينية. انطلقوا من دوار نهر أبو علي وصولاً إلى ساحة النور، في مشهد أعاد الذاكرة إلى أيام انطلاقة ثورة 17 تشرين قبل نحو عامين وما كانت تشهده مدينة طرابلس بشكل يومي من مسيرات من هذا النوع، كلها ولدت من رحم الثورة.
أما المشهد الثاني فهو تماماً ما حصل ليل السبت – الأحد، عندما نزل شبانٌ غاضبون – على قفزة سعر صرف الدولار في ساعات قليلة من 15 ألف ليرة إلى 18 ألف ليرة – إلى الشارع، بعد إرباك عاشته طرابلس وأسواقها وتجّارها وأدّى بالمحصلة إلى إقفال الأسواق أبواب محلاتها بانتظار هدوء موجة الدولار التصاعدية عند حدٍّ معين. موجات الغضب الشعبي تلك تفجّرت في الشارع الطرابلسي أعمال عنف وشغب وتكسير، طالت العديد من المحلات والمصارف ومحطات الوقود والمؤسسات في المدينة، لا سيما ما حصل مع مطعم “أبو صبحي”، وكذلك عرّج المحتجون في طريقهم في مشهد قديم جديد على منازل النواب ومكاتبهم في المدينة، فحصل اشتباك وإطلاق نار أمام منزل النائب محمد كبارة. غزوة ليل الأحد، أعادت إلى الذاكرة الهجوم الذي حصل قبل فترة على مبنى السراي في طرابلس وكذلك مبنى البلدية وإحراقه مع ما شكّله ذلك من أضرار على المدينة وصورتها. أعمال الشغب القديمة الجديدة تلك ولو غُلّفت بستار الفقر وعدم القدرة على تحمّل المزيد من الأعباء التي يفرضها ارتفاع سعر صرف الدولار، لكنها لم تجد من يتبنّاها أو يؤازرها في المدينة، على اعتبار أن الفقر لم يترك بيتاً في طرابلس تقريباً إلا وطرقه، وأنه مهما كانت الأسباب فمن غير الجائز التعدّي على ممتلكات الناس الخاصة.
نهار أمس الأحد شهدت مدينة طرابلس هدوءاً حذراً بعد ليلة مواجهات عنيفة، فيما كانت الحركة ضعيفة في المدينة حيث استمرت معظم المحلات والأسواق بالإقفال، بعد الإرتفاع الذي شهده سعر صرف الدولار والمتفلّت من كل عقال. هذا الهدوء الحذر في المدينة خرقته مناوشات طفيفة وإطلاق نار متقطّع، كان يُسمع في بعض المناطق كما تم إطلاق النار مجدّداً على مطعم “أبو صبحي” ولاذ مطلق النار بالفرار. وأسفرت الليلة الحامية في طرابلس عن سقوط جرحى من المحتجين وعناصر الجيش الذي اعلن عن جرح 9 عناصر خلال القيام بمهام حفظ الأمن في طرابلس. وكذلك أقفلت المحلات والأسواق في عكار والمنية والعديد المناطق الشمالية، ويرجح أنه إقفال تكتيكي يحصل بعد كل ارتفاع يشهده الدولار ليتمكّن أصحاب المحلات من إعادة جدولة أسعار بضائعهم لتتناسب مع سعر صرف الدولار الجديد. إلى ذلك، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي ومجموعات الـ”واتساب” الدعوة عند السادسة من مساء أمس إلى التجمع في ساحة عبد الحميد كرامي (النور)، باسم “تجمّع ردّ الإعتبار لكرامة الفيحاء”، وذلك بهدف الحفاظ على السلم والإستقرار في مدينة طرابلس، ورفضاً لكلّ أشكال التخريب والاعتداء على المجتمع، وقطعاً للطريق على محاولات إعادة الفوضى والاضطراب إلى الفيحاء، وتصدّياً لمحاولات إيقاع المدينة تحت سيطرة الخارجين عن إرادة أهلها والمستهدفين لأمنها واقتصادها وسلامتها.
وترى أوساط طرابلسية أنه “كلما اشتدّ الضغط الإقتصادي على طرابلس وأهلها وتهيأت الأرضية لتحركات شعبية أشبه بتلك التي كانت تحصل في ساحة النور إبان ثورة 17 تشرين عندما سميت طرابلس بعروس الثورة، كلما ظهر هناك طابور خامس عمل على التخريب والتكسير تحت حجة الثورة والغلاء لإفشال أي تحرك حضاري ممكن أن يحصل ويكون معبّراً عن صورة طرابلس الحضارية بالرغم من كل الوجع الحاصل.