لم يكن خافياً على أحد أنّ رئيس “الحزب التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط بات يستشعر الخطر الكبير على صعيد لبنان ككل. فخلال الفترة الأخيرة، كان “زعيم المختارة” يحذر من “الأيام السوداء” التي قد تطالُ الجميع، وحتماً قد يكون هذا التحذير ناجماً من معطيات أو معلومات بأنه “لا أفق لأي حل اقتصادي ومالي في الوقت الحالي”. إلا أن المؤكد هو أن ذاك التحذير الجنبلاطي يكشف عن هشاشة الأوضاع في الجبل اقتصاديا وأمنياً، وهو الأمر الذي يرتّب آثاراً سلبية على الشارع الدرزي بشكل كبير. وبعيداً عن التخاصم السياسي والتناحر الانتخابي، جاءت “قمة خلدة”، يوم أمس، لتضع تصوراً واضحاً للتعاون في سبيل وضع حد لأي تدهور أكبر، وإنهاء الحوادث الأليمة التي وقعت في الجبل وتسليم المتورطين فيها. ومع هذا، فقد أكدت القمة التي جمعت أقطاب الدروز الـ3 (جنبلاط – النائب طلال ارسلان والوزير السابق وئام وهاب)، على ضرورة تحصين البيت الداخلي المتمثل بالشارع الدرزي بكل الوسائل خصوصاً في ظل الانهيار الاقتصادي المتمادي.
وفي الواقع، فإن جنبلاط يعتبر أن هذه الأزمة بمثابة “حرب مفتوحة” على كافة الصعد، وقد تكون أعتى وأقسى من حرب الجبل في ثمانينيات القرن الماضي. وفعلياً، يقول من عايش تلك الحقبة أن الظروف الاقتصادية كانت أخف وطأة من الآن رغم الحرب الأهلية التي كانت تشهدها البلاد، وقد كان الأمن حينها العامل الأبرز والأهم في الجبل.
أما الآن، فإن الظروف القائمة تفرضُ معركة بقاء ومعيشة بالحد الأدنى، باعتبار أن الأزمة الاقتصادية الحادة انتقلت إلى داخل كل منزل لدى الدروز. كذلك، فقد بات الأمن هشاً بدرجة كبيرة، ما يعني أن المعركة باتت أصعب. ولهذا، فإن جنبلاط وجد في الأزمة القائمة نواة لأي خضة كبرى، وما يراه “زعيم الاشتراكي” أبعدُ من أزمة بنزين أو دولار، والهمّ الأول بالنسبة له، بحسب المصادر المقربة منه، هو ضمان أمن الجبل وتجنيه أي اقتتال، وبعد ذلك تأتي الأمور الأخرى.
ولهذا، فإن “قمة خلدة” جاءت لوضع حد لأي أحداث أمنية في الجبل تؤدي إلى صراعات دموية ضمن البيت الواحد، إذ كانت هناك مخاوف جدية من انفلات الشارع. وعندها، استدرك جنبلاط الأمر سريعاً وزار قائد الجيش العماد جوزاف عون ودعاه لتعزيز الأمن في الجبل، كما حرّك اتصالاته لعقد اللقاء الأخير مع ارسلان ووهاب لتطويق أي حدث أمني وضبط المناصرين ومنعهم من استخدام السلاح. ولمنع تفاقم الأحداث السابقة التي يمكن أن تشكل نواة للاحتقان المتمادي خصوصاً في الظروف الحالية، قرر جنبلاط إنهاءها فوراً، لأنه بات يرى فيها تهديداً جدياً لطائفته وزعامته وللأقطاب الدرزية الأخرى.
وخلال الأشهر الماضية، دأب جنبلاط على تقديم المساعدات المالية والعينية في الجبل، وتمكن من تحصين بيئته قدر الإمكان وحتى مستوى معين. إلا أن الظروف التي وصلت إليها الأوضاع، جعلت جنبلاط يرى أنه بات وحيداً ولا يمكنه الاستمرار بعملية التحصين منفرداً، وهو أمر يستوجب تكتلاً أكبر. ولذلك، انطلق رئيس “الإشتراكي” نحو الآخرين في الجبل، وأراد إشراك الجميع في تحمل المسؤولية، ويعتبرُ أن زعامته يجب أن تبقى “جامعة للدروز”، كما أراد التأكيد على أنه كان “المُبادر الأول والمحذّر والساعي لتحصين الأوضاع”.
وعموماً، فإن التحصين الدرزي في الجبل بات مطلوباً من قبل الجميع لأن الأمور قد تتدهور بشكل سريع في ظل غياب أي أفق داخلي للحل. وبحسب المقربين من جنبلاط، فإن الأخير يريد “الإنقاذ، ثم الإنقاذ، ثم الإنقاذ.. ولو بتسوية جديدة”، لأن الجبل على مفترق طرق: إما النجاة أو التدهور والسقوط في الهاوية. المصدر: Lebanon 24