ستقوم فرنسا وشركاؤها الدوليون، بعملية «دعم» بكل ما للكلمة من معنى، أي سيدفعون من موازنات دولهم لمساعدة المواطنين اللبنانيين في الحصول على الخدمات الأساسية وعلى رأسها المواد الغذائية، الأدوية، الكهرباء والمحروقات. لكن السؤال: ألن يقوم التجّار بتهريب المواد كما يفعلون الآن؟
بالطبع أثبت التجّار جشعهم المُفرط مع غياب المحاسبة (إهمالاً أو تواطؤاً) حيث أظهرت المداهمة التي قام بها وزير الصحّة أن تجار المُستلزمات الطبية يشترون مثلا قطعة مُعينة بسعر 27 دولارا أميركيا ويبيعونها بسعر 600 دولار أميركي وهو ما يُمثل أكثر من 2000% أرباحًاعن غير وجه حق! هذه النسبة هي قبل احتساب أرباح فروقات سعر الصرف على سعر السوق ناهيك بالتهرّب الضريبي المتمثّل بقبض الثمن نقدًا وهو ما لا يُمكن لوزارة المال كشفه! مثال أخر صارخ لغياب المحاسبة والرقابة على عمل التجار، الاتهام الذي وجّهه مصرف لبنان لأحد مستوردي المحروقات بقبضه 28 مليون دولار أميركي لاستيراد محروقات لم تصل حتى الساعة إلى لبنان.
بالطبع، فرنسا والشركاء الدوليون يعرفون كل هذه الألاعيب، وبالتالي لن تُعطى الأموال للتجّار بحكم أنهم فشلوا فشلا كاملا وخانوا ثقة الشعب والمُجتمع الدولي. من هذا المُنطلق تعمل فرنسا على آلية تسمح بإيصال الخدمات للشعب اللبناني من دون المرور بالطريق التقليدي. وباعتقادنا، إن هذه الآلية قد تكون من الأمور التي تمّ طرحها مع قائد الجيش العماد جوزاف عون خلال زيارته الأخيرة لفرنسا، نظرًا إلى الثقة الدولية بالجيش حيث سيكون له دور محوري في المرحلة المُقبلة.
أظهرت التجربة الماضية أن التهريب شمل 50 إلى 70% من الدعم الذي قدّمه مصرف لبنان للتجّار! أضف إلى ذلك أن هؤلاء قاموا ببيع السلع والبضائع الباقية على سعر دولار السوق السوداء وأحيانًا أعلى من سعر السوق السوداء (حالة السوبرماركات التي كانت تبيع على سعر 14500 في حين أن السعر في السوق كان 12000 ليرة للدولار الواحد والمواد المدعومة كانت على سعر 3900 ليرة للدولار الواحد!). هذا الأمر شمل بالتحديد المواد الغذائية والمُستلزمات الطبّية. أما في ما يخص المحروقات والأدوية في الصيدليات، وبسبب فرض سعر رسمي، فقد قام التجّار بتهريب قسم كبير منها أو احتكارها لحين إرتفاع الأسعار من جديد.
إذًا هناك قيود يتوجّب فرضها على الآلية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
أولا – تخصيص المواطنين اللبنانيين بهذا الدعم من خلال منصّة يتمّ تسجيل العمليات عليها وتسمح بمُعدّل استهلاكي لكل عائلة من المواد الغذائية الأساسية والمحروقات، والأدوية، والكهرباء. هذا الأمر ليس بعنصرية ضد أي نازح أو لاجئ لكون النازحين واللاجئين على الأرض اللبنانية يستفيدون من برامج دعم دولية، سيما أن إحصاء هذه الأعداد ورصد المعونات إليهم من صلب عمل هذه الجمعيات من جهة، ومن جهة أخرى لتجنب ازدواجية الاستفادة لدى هؤلاء بحيث يصير النزوح عملية ربحية لا حاجة إنسانية؛
ثانيًا – يتمّ الدفع للتجّار على أساس حجم السلع والبضائع المدعومة التي تمّ شراؤها وطرحها في الأسواق خلال الشهر؛
ثالثًا – توقّع المتاجر المُهتمّة ببيع المواد المدعومة عقدًا مع الجيش يتمّ على أساسه الإشتراك بالمنصّة وتسمح بتسجيل العملية عند حصولها؛
رابعًا –تجري مواكبة السلع والبضائع المدعومة من قبل غرفة مُشتركة بين الجيش والأجهزة الأمنية على أن يتمّ التأكّد من عدم وجود احتكار وتهريب؛
خامسًا – يتمّ تحويل الأموال إلى التاجر من خلال مصرف لبنان ومصرف التاجر؛
سادسًا – تُنشأ وحدة خاصة مُشتركة بين الجيش ومصرف لبنان تكون مُهمّتها مراقبة عمل المنصة وإجراء المُقتضى في حال المُخالفة؛
هذه الإجراءات الأولية تسمح بإيصال المواد الغذائية، والأدوية، والمُستلزمات الطبّية، والمحروقات، والكهرباء إلى اللبنانيين بحدّها الأدنى دون السماح للتجّار بالإحتكار أو التهريب تحت رقابة وطيدة من قبل الجيش اللبناني.
ويبقى السؤال الأهم في هذه العُسرة: ماذا ستكون ردة فعل أهل السلطة إذا ما تم تطبيق هذه الإجراءات؟ وهل سيبقى توظيفهم في الدولة اللبنانية نافذا، وعلى أي أساس؟ وما حكم رواتبهم ومخصصاتهم العالية غير المنتِجة؟
الديار