كتب إيلي الفرزلي في “الأخبار”:
أزمة الانخفاض الشديد في التغذية بالتيار الكهربائي صارت على نهايتها. مصرف لبنان حصل على التغطية القانونية للصرف من الاحتياطي الإلزامي من خلال دفعه الحكومة إلى “الاستقراض” من المصرف المركزي، فلم يتأخر في فتح الاعتمادات لشحنتي فيول. وبالتوازي، وصلت الأخبار السارة من العراق بالموافقة على تزويد لبنان بمليون طن من النفط الخام بدلاً من 500 ألف طن. لا يبقى سوى تسريع الحكومة اللبنانية لإجراءات تنفيذ الاتفاق الذي يؤمن نصف حاجة الكهرباء من الفيول ويوقف نزف الدولارات.
صار يمكن للناس أن يتنفسوا الصعداء ولو موقتاً. العتمة التي حذّرت منها كهرباء لبنان بسبب النقص الحاد في الفيول لتشغيل المعامل لن تحلّ مع نهاية الأسبوع. وبدلاً من أن يكون السبت يوم إطفاء معظم المعامل، يفترض أن يكون موعداً لعودتها إلى العمل بطاقة أكبر. وبعدما كان مصرف لبنان يرفض فتح اعتمادات لاستيراد الفيول، ما تسبب بالأزمة الراهنة، وافق أمس على فتح اعتمادين لشحنتي “غاز أويل” و”فيول أويل (Grade A)”، بعدما حصل على التغطية القانونية التي طلبها. وإذا لم تتأخر البنوك المراسلة في تحويل الأموال للشركات المعنية، فإن شحنة “الغاز أويل” سيتم تفريغها خلال يومين، فيما تحتاج شحنة “الفيول أويل” لوقت أطول، بسبب الحاجة إلى إرسال عينات منها إلى دبي لفحصها، قبل استعمالها. وهذا يعني أن معملي دير عمار والزهراني سيعودان إلى العمل أولاً على أن يليهما معملا الزوق والجية الجديدان.
إذا كانت المؤسسة تنتج حالياً 680 ميغاواط فقط، فلم يعرف إلى أي مدى يمكن أن يصل معدل الإنتاج. الأمر مرهون بالخطة التي يفترض أن تضعها بالتعاون مع وزارة الطاقة للتغذية في الفترة المقبلة، والتي يتوقع أن تكون حذرة، لضمان إطالة أمد الاستفادة من سلفة الـ200 مليون دولار التي أقرها المجلس النيابي، خصوصا أن سعر برميل النفط تخطى السبعين دولاراً. فعلى سبيل المثال، إذا أنتجت المؤسسة نحو 1500 ميغاواط، ستكفي السلفة لنحو شهر ونصف شهر، لكن سيسجل حينها ارتفاع مريح في التغذية. وإذا انخفض الإنتاج إلى حدود 1000 ميغاواط، فإن السلفة قد تكفي لأكثر من شهرين بقليل، فيما التغذية ستعود إلى ما كانت عليه قبل الأزمة الأخيرة.
مهما كان القرار، فإن الأزمة ستتجدد بعد صرف كامل السلفة، إلا في حالتين: إذا سارع المجلس النيابي، كما فعل في آذار، إلى إقرار سلفة جديدة، على أن لا يتأخر مصرف لبنان في تحويلها إلى دولار، أو إذا نفذ الاتفاق مع العراق للحصول على النفط الخام، علماً أن يوم أمس شهد تقدماً لافتاً في المسألة. فالحكومة العراقية صادقت على دعم لبنان بالنفط الخام وزيادة هذا الدعم من 500 ألف طن إلى مليون طن.
وعلمت “الأخبار” أن زيادة الكمية كانت طرحت للمرة الأولى على الوزير ريمون غجر عندما زار العراق أخيراً يرافقه المدير العام للأمن العام عباس ابراهيم. لكن لم يعلن عنها، إلى حين حلّ أي إشكالات تعترض طريقها عراقياً. ووفق المعلومات، أبلغ رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي المعنيين في لبنان أنه سيطرح مسألة زيادة الكمية في جلسة مجلس الوزراء (أمس). ورغم بعض المعارضة، إلا أن المجلس كان حاسماً في إصدار قرار يؤكد مساندة الشعب اللبناني. وعلى الأثر تم الإيعاز لوزارة المالية والمصرف المركزي العراقيين بالتواصل مع الجانب اللبناني لبحث الإجراءات التنفيذية. وهذا يعني أن الكرة صارت في ملعب الحكومة اللبنانية التي ينبغي عليها الإسراع في تنفيذ الشق المتعلق بها من الاتفاق، ولا سيما إيجاد حل لمسألة النقل والتكرير. فإتمام ذلك سيعني ضمان الاستقرار في الإنتاج، من دون الحاجة إلى تبديد الدولارات المتبقية، خصوصا أن مسألة تأخير الدفع لن تشكل هاجساً للعراقيين المدركين للظروف اللبنانية. علماً أن الكمية التي سيحصل عليها لبنان يمكن أن تؤمّن نصف حاجته السنوية، إذا رفع الإنتاج إلى نحو 1500 ميغاواط، ويمكن أن تؤمن أكثر من الحاجة السنوية على معدل الإنتاج الحالي.
إلى ذلك الوقت، بدا وضحاً أن مصرف لبنان لم يتراجع عن رفضه فتح الاعتمادات الخاصة بالفيول، إلا بعدما حصل على تغطية قانونية من رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء لمسألة الصرف من الاحتياطي، والتي تمثلت بالقرار الاستثنائي الذي يجيز تغطية سلفة الخزينة التي أقرها مجلس النواب بالعملة الأجنبية. فقد علمت “الأخبار” أن سلامة أبلغ “المالية” رفضه فتح اعتمادات دولارية من دون تغطية قانونية تبعد عنه مسؤولية المس بالاحتياطي الإلزامي. خصوصا أنه اعتبر أن إقرار مجلس النواب قانون إعطاء كهرباء لبنان سلفة خزينة بـ”حد أقسى 300 مليار ليرة لتسديد عجز شراء المحروقات” لا يعطيه التغطية التي يطلبها. فالقانون، على ما جرت العادة، نص على أن تُسدّد السلفة نقداً “بأمر من محتسب المالية المركزي بعد موافقة وزير المالية”، على اعتبار أن القوانين المالية لا تصدر إلا بالليرة، وعلى اعتبار أن مصرف لبنان، بصفته مصرف الدولة، ملزم بتأمين حاجة الإدارات والمؤسسات العامة إلى الدولارات، متى فتحت الاعتمادات بالليرة.
طبعاً هذه الآلية تعطلت بكاملها منذ بدأت الأزمة المالية. والإدارات لم تعد تحصل على الدولارات إلا بعد مفاوضات طويلة مع المصرف المركزي، يستنسب بعدها في تحديد ما إذا كانت الحاجة ملحّة أم لا. على سبيل المثال، لا يزال المصرف يرفض تأمين الدولارات الخاصة بصيانة معامل الكهرباء، أضف إلى ذلك أنه خلال شهر أيار بكامله لم يفتح اعتمادات سوى لشحنتي فيول، رغم وجود قانون يجيز إعطاء سلفة للمؤسسة. حجته أنه لا يمكنه أن يتحمل مسؤولية المس بالتوظيفات الالزامية للمصارف.
وعلى هذا الأساس، أرسل وزير المالية كتاباً إلى رئاسة الحكومة يطلب فيه “الموافقة الاستثنائية لتغطية سلفة الخزينة للكهرباء بالعملة الأجنبية لشراء المحروقات لزوم مؤسسة كهرباء لبنان”. وفي اليوم نفسه وقّع رئيسا الجمهورية والحكومة قراراً يوافقان فيه على “طلب وزارة المالية بالمتعلق بالاستقراض بالعملات الأجنبية من المصرف المركزي وإحاطة حاكم المصرف المركزي بذلك، تمكيناً للمصرف المذكور من فتح الاعتمادات المستندية لزوم مؤسسة كهرباء لبنان”.
يتضح من هذا الطلب السابقة، أن الغاية منه الإيحاء دفترياً أن الاحتياطي لم ينخفض على اعتبار أن مبلغ الـ 200 مليون دولار هو دين لمصرف لبنان في ذمة المالية. وهذه خطوة لن تكون يتيمة، إذ يتوقع أن تتكرر عند فتح اعتمادات أخرى. أما السند القانوني الذي تم اللجوء إليه لتبرير هذه الخطوة، فهو المادة 91 من قانون النقد والتسليف، التي تنص على أنه “في ظروف استثنائية الخطورة أو في حالات الضرورة القصوى، إذا ما ارتأت الحكومة الاستقراض من المصرف المركزي، تحيط حاكم المصرف علماً بذلك… وفي حال ثبت أنه لا يوجد أي حل آخر، يمكن للمصرف المركزي أن يمنح القرض المطلوب”.