قصة البغال والتهريب… والنائب المعروف!

كتب كبريال مراد في موقع mtv:

 

تنكب الدولة هذه الأيام بإداراتها وأجهزتها على معالجة التهريب. وقد استيقظت حميّتها بعد القرارات الخليجية الأخيرة، التي اعقبت الإعلان عن ضبط شحنات مخدرات مهرّبة من لبنان. وتكثّفت الإجتماعات على اعلى المستويات، بهدف معالجة الأزمة وتداعياتها، لما لها من انعكاسات اقتصادية سلبية.

 

لا بأس، إن هي استيقظت متأخرة، طالما أن الخطوة تأتي في سياق بسط سلطة الدولة واستعادة هيبتها.

ولكن، هل يتخذ القرار الحاسم والحازم هذه المرة؟ ام أن دولتنا ستواصل العمل بموجب مقولة “تيتي تيتي”… فتعقد اللقاءات، وتتخذ القرارات، وتبقى حبراً على ورق؟

لا تتعلّق المسألة هنا بقلّة عديد الكادر البشري او غياب التقنيات الحديثة من كاميرات وسكانر، او تضارب الصلاحيات، بل الغياب الفعلي بالمعالجة. فلو توافرت الإرادة لطبّقت القرارات المتخذة قبل سنة او شهر او أيام، ولم تبق حبراً على ورق، وعراضات موسمية او اجتماعات “فولكلورية” متى دعت الحاجة.

تعود بي الذاكرة في هذا الموضوع، الى ما قبل الإنسحاب السوري من لبنان. يوم ذهبنا، اصدقائي وأنا في رحلة صيد الى إحدى البلدات اللبنانية العكارية الحدودية التي يفصل بينها وبين الأراضي السورية، النهر الكبير. هناك شاهدت بالعين المجرّدة مواكب البغال التي تتنقّل من الداخل السوري الى الداخل اللبناني، والعكس صحيح، وهي محمّلة بالدخان المهرّب، وغالونات المازوت والبنزين، وأكياس الطحين والسكر وما سهل حمله، وغلا سعره عند التهريب.

فاجأني المشهد، أنا الآتي من بيروت، فسألت اصدقائي العكاريين عما يحصل، ليخبروني بأنه مشهد يومي متكرر لعمليات التهريب التي تحصل بغطاء سياسي وأمني في هذه البقعة الجغرافية، التي توجد شبيهاتها في مناطق عدة على الحدود الشمالية والبقاعية.

لم تنته المسألة هنا. فمشهد الفانات المسرعة ذهاباً وإياباً أمام أعين المارّة وسكان البلدات المحيطة، راح يتكرر في اليومين اللاحقين، ليتبيّن أنها فانات أحد نواب المنطقة، ممن ينشطون في تهريب الدخان. وعند استغرابي لكيفية حصول ذلك، كان جواب أصدقائي العكاريين : ” الكل معو خبر… وهيدا Family business للنايب”، أي أن التهريب مهنة العائلة التي يتم توارثها من الأب الى الإبن… “على عينك يا دولة”.

بعد سنوات، بات سعادته، نائباً سابقاً. وانتقل مشعل النيابة والتهريب الى الإبن المنتخب من بعده في البرلمان… فإما أن الدولة تعلم وتغض النظر، وإما أنها متواطئة او مقصرة، وفي الحالتين “بهدلة”…

 

أهل عكار يعلمون ذلك، وسكان البلدات الحدودية يشهدون على ذلك. ويكفي أن يجول عناصر الدولة وأجهزتها على الحدود، ليسمعوا قصة البغال والتهريب… والنائب المعروف!

والقضية تتكرر بأسماء أخرى ومناطق أخرى… والقصة المقبلة عن تاجر المخدرات… والحزب الفاعل… والجهاز الأمني.