كتب منير الربيع في “المدن”:
في خضم الانهماك اللبناني بالتفاصيل السياسية اليومية، وخصوصاً عملية تشكيل الحكومة، يبدو المجتمع الدولي قد تخطّى هذه اليوميات في نظرته إلى لبنان وأزمته.
يأس دولي من سياسيي لبنان
فالمجتمع الدولي يئس كلياً من القوى السياسية اللبنانية، ولا يعول عليها في بناء مشروع سياسي مشترك يتلاءم مع الشروط الدولية. وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان. ونظرته هذه غير بعيدة عن وجهة النظر الأميركية، والبحث والتنسيق الأميركيان -الأوروبيان في برنامج مشترك حيال لبنان، تعزز في عهد إدارة بايدن.
ويلتقي الطرفان في أمرين أساسيين: حماية الجيش والأجهزة الأمنية، وتوفير مساهمات أكبر في المساعدات الإنسانية والغذائية، لمنع التوتر أو الانفلات الأمني، أو تسّرب بشري عبر البحر في اتجاه أوروبا.
ويرى الأوروبيون والأميركيون أن تشكيل الحكومة -في حال تشكلها- لن يصدر عن قناعة الأفرقاء بضرورة التعاون في ما بينهم للإنجاز والإصلاح. بل تتشكل الحكومة لتسجيل النقاط وتقاذف المسؤوليات بين السياسيين. والحرج وحده هو الذي قد يسهم بولادتها. ولن تكون قادرة على معالجة الأزمات، كبيرتها والصغيرة منها.
هناك قناعة دولية، إذاً، بأن الأزمة اللبنانية مستمرة وتكبر.
تعويل على الجيش وقائده
ويتضح الاهتمام الأميركي بلبنان أكثر فأكثر: ترسيم الحدود وضبطها. مساعدة الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الأخرى. وهناك مواقف لمسؤولين في إدارة الرئيس جو بايدن تشير إلى استمرار الدعم الأميركي للبنان والجيش، إضافة إلى توفر عناصر التنسيق الأميركي-الفرنسي حول لبنان. وهذا من خلال برامج الدعم للجيش اللبناني.
ولا يمكن إغفال حفاوة الاستقبال التي قوبل بها قائد الجيش جوزيف عون خلال زيارته باريس، واللقاءات التي عقدها وتوّجها بلقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وهذا يمثل تطوراً مهماً في النظرة إلى قائد الجيش، خصوصاً أن اللقاء جاء من خارج السياق البروتوكولي.
وتأتي زيارة قائد الجيش إلى باريس بعد اجتماعه بمسؤولين أميركيين عبر تطبيق زوم، وبعد معلومات تفيد عن زيارة يجريها وفد أميركي إلى لبنان، فيلتقي فيها قائد الجيش ومسؤولين عسكريين آخرين، للبحث في تقديم مساعدات. ولا ينفصل هذا عن زيارة يجري ترتيبها لقائد الجيش إلى الولايات المتحدة الأميركية الشهر المقبل.
تحسباً للانهيار واللجوء
وهذا كله يندرج تحت عنوان واحد: رهان على الجيش اللبناني. وثمة من يعتبر أن الأميركيين يراهنون على الجيش حليفاً وثيقاً في المنطقة، ولا يمكن التخلّي عنه أو السماح بإضعافه. ويظهر ذلك من خلال المساعدات الأميركية التي أعلن عنها قبل أيام للجيش اللبناني بقيمة 120 مليون دولار. أي بزيادة 15 مليون جديدة.
والزيادة مخصصة لإعادة تأهيل الحوض الأول للبحرية اللبنانية في بيروت، وثلاثة زوارق مهامها البحرية ضمن أميال عشرة في البحر، لضبط الحدود البحرية ومنع تسرب اللاجئين. وهذا يعني توقعات دولية بأن الانهيار مستمر، اقتصادياً ومالياً. ما يدفع بتسرب لبنانيين وسوريين وفلسطينيين في اتجاه أوروبا بطريقة غير شرعية.
ويشير هذا إلى عمق الاهتمام الأميركي بضبط الحدود وضبط اللاجئين، بناء على معطيات حول تدهور الأوضاع أكثر فأكثر في لبنان. لكن المشكلة اللبنانية باقية في خانة المعالجة الإنسانية، من دون جانبها السياسي الأساسي.
علاج إنساني بلا سياسة
ومن هناك يأتي الاهتمام بالجيش ودوره والحفاظ على وضعه، إضافة إلى الاهتمام ببعض الجمعيات التي تعنى بالمساعدات الإنسانية. والبحث جار في زيادة المساعدات الغذائية للبنان ثلاثة أضعاف.
الانهيار اللبناني متروك على غاربه دولياً -إذاً- وعلاجه يتخذ طابعاً إنسانياً فقط: الحرص على الاستقرار الأمني، والحفاظ على المؤسسات، ومنع تسرّب اللاجئين. وعدا ذلك ليس من كلام سياسي ولا مواقف سياسية دولية، بل هي مؤجلة إلى ما بعد اتضاح صورة المنطقة وتحولاتها على وقع المفاوضات النووية، والمفاوضات السعودية-الإيرانية.