كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
نفذ الجيش اللبناني انتشاراً كثيفاً في طرابلس يوم أمس، ولاسيما في كل من مناطق القبة، التبانة، جبل محسن وضواحيها، تزامناً مع الخرق الأمني الذي حصل في الأيام الثلاثة الماضية والذي تخلله رمي قنابل وإطلاق رصاص في هذه المناطق. كما يأتي هذا التأهب للجيش مع انطلاق الإنتخابات الرئاسية السورية والتي يتوقع أن تصدر نتائجها في الساعات المقبلة، وما يجري من حديث عن تحضيرات في جبل محسن للإحتفال بالفوز المتوقع لبشار الأسد بالرئاسة وما قد يسببه ذلك من استفزاز لأبناء باب التبانة والطرابلسيين.
كان واضحاً منذ أيام أن هناك من ينفخ في نار الفتنة بين الجبل والتبانة، لإعادة مسلسل جولات العنف الـ 21 التي انتهت قبل أعوام بالخطة الأمنية التي وضعت آنذاك لوقف النزيف الطرابلسي يومها. لكنّ ما يحصل في مدينة طرابلس منذ أيام، من إلقاء قنابل في محيط جبل محسن وباب التبانة، شكّل مؤشراً واضحاً على وجود أيادٍ تلعب في الخفاء، وغرف سوداء، تسعى إلى افتعال توتير أمني ما، ومحاولة تسخين الجبهة على محاور جبل محسن وباب التبانة، بانتظار موعد الإنفجار الكبير وهو موعد إعلان نتائج الانتخابات في سوريا واحتفال أهالي جبل محسن بفوز الأسد فيها بإطلاق الرصاص واستفزاز الجوار في التبانة.
في سوريا أمس؛ انطلقت الإنتخابات الرئاسية، وفي شارع سوريا في التبانة كان يوم أمس يوماً عادياً من حيث الحركة ساده الهدوء الحذر بعض الأحيان، وانتشار الجيش اللبناني الذي سيّر الدوريات المؤللة ونفّذ انتشاراً كبيراً في المنطقة. الأوضاع في جبل محسن أمس كانت شبيهة بأوضاع باب التبانة، ولسان حال الأهالي في المنطقتين المتاخمتين؛ – الذين يعيشون نفس المعاناة من الفقر والضيق الإجتماعي – يؤكد أن “الجميع لا يرغبون بعودة جولات العنف السابقة ولا يريدون أي توتير كما لا يريدون لطرابلس أن تبقى صندوق بريد لإيصال رسائل إقليمية أو داخلية”.
هل ثمة استعدادات في التبانة للرد على أي استفزاز في حال حصل؟ عن الأجواء هناك يحدّثنا إمام مسجد التقوى وخطيبه الشيخ سالم الرافعي فيقول لـ “نداء الوطن”:
“لبنان بلد يسع الجميع بطوائفه ومذاهبه المختلفة، ونتمنى على أهالي جبل محسن أن يحسنوا الجوار مع جيرانهم من أهالي السنة”.
ويضيف:”لكن ليس من إحسان الجوار التباهي والفرح برجل قتل الملايين من شعبه ومن أهل السنة. طبعاً لا أحد يريد أن تعود الأمور إلى سابق عهدها من جولات عنف واشتباكات، وليس من المناسب أن تحصل أية احتفالات قد تؤدي إلى توتير الأجواء في المدينة”. ويشير الرافعي بأنه “ليس هناك أي مظاهر أو تحضيرات لمعارك في التبانة. هناك في طرابلس خشية من وجود مخطط لضرب المدينة من جديد وضرب السلم الأهلي والعيش الآمن فيها”. وفي رسالة للطرابلسيين يقول الرافعي “لا تنجرّوا إلى فتنة في طرابلس يراد منها تحقيق بعض المصالح لدول إقليمية ويكون وقودها شباب المدينة”. مآسي أهل طرابلس كثيرة لا سيما أهالي باب التبانة وجبل محسن، ليس أقلها الفقر وغياب فرص العمل والمشاريع التنموية، وهذا التشابه في الأوضاع والتداخل الجغرافي، يجعلان من هاتين المنطقتين اللتين لطالما تقاتلتا من وراء المتاريس وخطوط التماس؛ أكثر نبذاً للعنف والتقاتل العبثي بينهما. معاون الأمين العام للحزب العربي الديموقراطي علي فضة أكد لـ “نداء الوطن” أنه “ستكون هناك احتفالات بعيد إعلان النتائج لانتخابات الرئاسة في سوريا، لكنها ستكون بعيدة كل البعد عن المناطق المطلة أو القريبة من التبانة”.
وأشار إلى أنه “مهما حاول من يحاول تسخين الساحة، نحن لن ننجر إلى فتنة وأي مخلّ بالأمن سنردعه ونسلمه للأجهزة الأمنية، فأمننا من أمن مدينتنا وممنوع منعاً باتاً العبث بالسلم الأهلي وكذلك ممنوع إطلاق الرصاص بتاتًا”. أضاف: “لا عودة لعقارب الساعة إلى الوراء مهما كان. وأرجو من الجميع في طرابلس بألا ينجرّوا خلف الشائعات وما أكثرها. هناك جيش وأجهزة أمنية وهي عليها أن تتولى مسألة ضبط الأمن في طرابلس وهذه مسؤوليتها”.
وإلى أبناء جبل محسن وعموم طرابلس يقول فضة “لا تركنوا إلى الشائعات وما يجمعنا كطرابلسيين أكثر بكثير مما يفرّقنا. يجب أن نكون في الفتنة كابن اللَّبُون، لاَ ظَهر فَيُركب، ولا ضَرع فيحلب. لننبذ العصبيات ولنمنع تحويل الإختلاف إلى خلاف، وما سيحصل في جبل محسن هو احتفال لا إقتتال”.
ثمة من يقول في طرابلس أن أهالي جبل محسن إذا كانوا فعلاً لا يريدون توتير الأجواء مع جيرانهم، فلماذا هذا الإحتفال إذاً؟ طالما هم يعتبرون أن السلم الأهلي في المدينة خطٌ أحمر؟ أهل طرابلس في العموم لا يريدون عودة القتال العبثي إلى مدينتهم والنوايا الطيبة إذا صدقت؛ ستتغ لب على الفتنة ومن يحيكها.