مشاهد الذلّ والفوضى أمام محطّات الوقود في طرابلس وعكّار متى تنتهي؟…

عبد الكافي الصمد

 

ما يكاد المرء يخرج من مدينة طرابلس بسيّارته متوجّهاً إلى بيروت، حتى يختفي من أمامه تدريجياً مشهد إصطفاف عشرات السيّارات أمام محطات الوقود للتزوّد بحاجاتها من البنزين أو المازوت، لا بل إنّ بعض هذه المحطّات على طول الأوتوستراد الدولي تكاد تكون فارغة، وهي تنتظر سيّارة أو زبوناً لتزوّده بحاجته من المحروقات، والكمية التي يريدها، لا بل إذا طلب السائق من صاحب إحدى المحطات أو العاملين عليها أن ″يُفوّل″ له خزّان سيارته، فإنّ طلبه يُستقبل بالترحاب وبابتسامة عريضة ترتسم على الوجوه.

 

هذا المشهد إختفى كليّاً من طرابلس وجوارها في الضنّية والمنية وعكّار منذ أشهر، فالمحطّات إمّا رفعت خراطيمها تعبيراً منها أنّه لا يوجد لديها مخزون من البنزين أو المازوت، أو أنّها وضعت حواجز ومكعبات وبراميل أمام مداخلها للدلالة على أنّها مغلقة ومتوقفة عن العمل في هذه الفترة، وإذا قامت إحدى المحطات بفتح أبوابها فإنّ أرتال وطوابير السيّارات تمتد أمامها مسافات طويلة تزيد أحياناً على مئة أو مئتي متر، وتتسبب بازدحام كبير يؤدّي غالباً إلى قطع طرقات وشوارع نتيجة الإزدحام الخانق أمام محطات الوقود.

 

 

مشاهد الذّلّ والإنتظار الطويلة أمام محطات الوقود في طرابلس وجوارها، التي بات أغلبها يرفض أن يملأ خزّان أيّ سيّارة بأكثر من 20 ألف ليرة، كان يؤدّي في أحيان كثيرة إلى وقوع إشكالات تنتهي إمّا بالتضارب أو بإطلاق النار وسقوط ضحايا، مثلما حصل يوم الأحد قبل الماضي في 16 أيّار الجاري في بلدة ببنين العكارية، عندما أقدم أحد المواطنين على إطلاق النّار من سلاحه الحربي على الشّاب غيث المصري (25 عاماً) إبن أحد أصحاب المحطات في المنطقة فأرداه قتيلاً، بعدما رفض تعبئة غالونات فارغة في صندوق السيّارة، بعدما ملأ له خزّانها، لأنّ صاحبها يريد أن يتاجر بها في السوق السوداء.

 

هذه السّوق السّوداء للمحروقات إنتشرت على نحو لافت في طرابلس ومناطق شمالية أخرى، ومعها إزدهرت مشاهد بيع غالونات البنزين والمازوت على الطرقات في عدّة مناطق شمالية، بينما هاتين المادتين غير موجودتين في المحطات، بسبب إزدهار لافت لعمليات تهريب البنزين والمازوت إلى الخارج وجني أرباح طائلة منها، وهو ما كشفته تقارير وزارتي الطاقة والإقتصاد عندما أغلقت نحو 75 محطة للوقود في لبنان بالشمع الأحمر، ومنعها من بيع المحروقات، كانت المفارقة أنّ هذه المحطات بأغلبها موزّع بين مناطق البقاع وعكّار وطرابلس تحديداً.

 

 

يجري كلّ ذلك بينما الدولة غائبة بأجهزتها ووزاراتها من أجل وضع حدّ لهذا التسيّب، وإنقاذ المواطنين من مشاهد الذلّ يومياً كلما أراد أحدهم أن يملأ خزّان سيارته بالوقود، وإجبار هذه المحطات على فتح أبوابها كالمعتاد بعد مراقبتها بشكل صارم جدّاً؛ إذ كيف يمكن إذاً تبرير وجود مشهدين متناقضين لمحطات الوقود في بلد لا يفصل بين إحداهما والأخرى إلا كيلومترات قليلة، ومن يستطيع أن يوقف مافيات النفط والبترول وتهريب المحروقات وسرقتها، ومتى، وكيف، وبأي وسيلة؟

 

أسئلة كثيرة تحتاج إلى أجوبة عاجلة عليها قبل وقوع مزيد من الإشكالات وسقوط ضحايا آخرين في محطات الوقود في طرابلس وعكار وجوارهما، نتيجة الطمع وقلة الأخلاق وغياب دولة القانون.