الدواء مقطوع… فهل يفجّر غيابه الشارع؟ رمال جوني

كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:

“مقطوع ما في أدوية”، “جرّب حظك بغير صيدلية”، “ما تسلّمنا أدوية”، هذه بعض العبارات التي يسمعها المواطن داخل الصيدليات التي باتت تفتقد للدواء، فيما يضطر المريض للتوجّه الى بيروت باحثاً عن دواء لن يجده..

يبدو أن أزمة الدواء في طريقها الى التعقيد أكثر، فلا مصرف لبنان يرغب في الإفراج عن اموال الادوية، ولا الشركات تحبّذ تسليم الدواء قبل قبض ثمنه، وبين الاثنين علق المواطن في فخ شحّ الدواء المهدّد بالانقطاع عمّا قريب، ما لم يُصر الى ايجاد حل سريع. وحتى ذاك الحين الأزمة تتفاقم وتهدّد حياة مئات مرضى الأمراض المزمنة. فأدويتهم مقطوعة نهائياً، حتى البنادول اختفى أيضاً، وفقدان الدواء قد يجرّ الى اقفال الصيدليات، وهنا المصيبة الاكبر.

الى بيروت وصل الشاب خضر بحثاً عن دواء لطفله الذي يعاني من حمى البحر المتوسط، بغضب يقول: “حياة إبني مهدّدة وصحّته بخطر، اذا لم أجد الدواء قد أخسر فلذة كبدي”. جال على كافة صيدليات منطقة النبطية وصيدا وصولاً حتى بيروت وسمع الجواب نفسه “مقطوع”. طفح كيله كما باقي المواطنين، فالموسى وصلت الى صحة الناس، والأزمة الصحية المستجدّة تهدّد حياتهم، فهي أخطر من “كورونا” نفسه، وِفق ما يقول خضر الذي يحمّل الفاسدين مسؤولية ما آلت اليه حال الناس، “الا صحة اولادنا، قد أحرق الكلّ اذا أصاب ولدي مكروه”.

لم تلتزم الشركات مع الصيدليات، لم يتم تسليم الدواء، ومن حصل عليه فبالحبّة، ما اوقع الصيدلي بالحرج “لمن الأفضلية بالدواء” سؤال يجده الصيدلي صعباً جداً، وعلى ما يبدو تتّجه أزمة الدواء الى التفاقم أكثر، في ظل التخبط الحاصل بين رفع الدعم وترشيده والابقاء على الوضع كما هو، وفيما لو أصرّ مصرف لبنان على المماطلة في دفع ثمن الادوية، فإن شحّ الدواء وانقطاعه سيلازمان حياة الناس، مثله مثل حال البنزين الذي يوزع بالقطارة، غير أنّ قطارة الدواء تعني قتل الناس عمداً متعمّداً وِفق ما قال محمد الذي عجز عن ايجاد مسكّن لوجع الرأس “لم أنم منذ يومين، فالوجع قتلني”. يعاني من الشقيقة، ويحتاج الى مسكّن مستمر، بات غير متوفر يؤكد أن “الدواء سيفجّر الشارع، فالناس قد تبقى من دون لحم ودجاج وبنزين لكنها لن تقوى على مواجهة المرض من دون الدواء”، ويجزم بأنّ “الفاسدين يرغبون بقتل الناس، واولوا المهمّة لمصرف لبنان”.

في خضم معركة الحصول على الدواء، لا يجد الصيادلة سوى الإضراب اليوم الخميس، فهم تعبوا من المواجهة مع الناس، “نحن ببوز المدفع”، يقول الصيدلي محمد الذي يؤكد أن الأزمة متّجهة نحو التأزيم أكثر، “نحن في مواجهة شحّ الدواء، وما بقي لا يكفي اياماً وبعدها تسقط الكارثة”، مؤكداً “ان الأمن الصحي في خطر واذا لم يجر وضع خطة علاج سريعة، فإن الصيدليات قد تجد نفسها مرغمة على الاقفال، فكيف تفتح ولا دواء داخلها”؟ بحسب الصيدلي محمد فإن ترشيد الدعم هو الحل للازمة، أما رفعه فيعني قتل الناس، أقلّه يذهب الدعم بطريقه الصحيح، فالمريض الذي يحتاج دواء السكّري لن يكون بمقدوره دفع ثمنه 400الف. يحتاج دعم الدواء سنوياً قرابة المليار و300 مليون دولار، وهو برأي الصيدلي “اهم من دعم جبنة الـ”كيري” والفطر، فالدواء أهم بكثير، ويأسف أنه لم يجر اعتماد خطة ترشيد الدواء، مؤكداً أن هناك من قطع الطريق على الامر، لأن هناك شركات أدوية تابعة للأحزاب وكل شركة تريد ان تكسب ولو كان على صحّة الناس”، من دون أن يخفي “أننا ذاهبون الى سيناريو صحي خطير، والحق على غياب القرار” وِفق ما يقول.

قبل ايام وصلت شحنة ادوية لاحدى الشركات بقيمة 3 ملايين دولار، غير انه لن يتم توزيعها ما لم يدفع مصرف لبنان ثمنها، وإن رفض ستضطر الشركة مرغمة لإعادتها الى بلد المنشأ، وحينها أيضاً سيصبح حرياً القول “الدولة تقتل شعبها بقرار جائر”، وعلى المواطن دفع ثمن الكباش الحاصل “رفع الدعم من عدمه” والى حين اتخاذ القرار ستبقى ازمة الدواء على حالها، والتخبط داخل الصيدليات على حاله، والشحّ سيد الموقف، وبهذه الحال يقول الصيدلي، سيكون السوق اللبناني مفتوحاً على كارثة اخطر وهي دخول الادوية المزورة، وهنا الكارثة التي يفترض وأدها قبل أن تحصل. فهل تتّخذ الدولة قرارها الحاسم، أم تترك الصيدلي بوجه المدفع؟