كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
في العام 2010 وصلت أولى بواخر شركة “كارادينيز” لإنتاج الكهرباء إلى لبنان “فاطمة غول”، ثم تلتها “أورهان بيه” التي وصلت في العام 2013، وفي العام 2018 كانت “إسراء سلطان” قبالة الشاطئ اللبناني. الدولة اللبنانية، ممثلة بوزارة الطاقة، اتفقت مع الشركة على تزويد لبنان بنحو 270 ميغاوات. يومها بُرِّرَت الحاجة إليهما استناداً إلى خطّة وضعتها وزارة الطاقة تتضمن برنامج إنشاء معملي طاقة جديدين: إنشاء محركات عكسية في الذوق، إنشاء معامل إنتاج جديدة في دير عمار. وبالتالي كان هذا الخيار كما قيل لإيجاد بديل يغطّي النقص في التغذية بالكهرباء الذي سينتج من بدء الأعمال الجديدة
وما لا يعرفه كُثر، هو أنّ الاتفاق يتضمن أن تنتج البواخر الكهرباء بواسطة الفيول أويل الذي تشتريه مؤسسة كهرباء لبنان، أي أن المبلغ المدفوع للبواخر هو ثابت ويبلغ 5.95 سنتات لكل كيلواط منتجة، فيما الكلفة المتحرّكة (الفيول أويل) هي على عاتق مؤسسة كهرباء لبنان.
ومع تعثّر مشروعيّ الذوق ودير عمار، أصبح الخيار الموقت، أي البواخر المنتجة للكهرباء، خياراً شبه دائم، لتتجاوز نسبة الاعتماد عليها الـ35%، مع العلم أنّ الشركة أعلنت بنفسها في العام 2018 أنّ 3 من بواخرها تؤمّن من 35 إلى 40 في المئة من الكهرباء في لبنان، أي حوالى 636 ميغاوات، مقابل انتاج مؤسسة كهرباء لبنان البالغ حوالى 1250 ميغاوات.
ولكن يبدو أنّ مشوار البواخر التركية إلى لبنان سينتهي قريباً، إن لم يحصل خلال أيام قليلة كما تهدد الشركة، فإنّه سيحصل حكماً في أيلول المقبل، موعد انتهاء العقد.
جديد هذا الملف هو تهديد الشركة بالتوقف عن تشغيل الباخرتين وذلك اعتراضاً على القرار القضائي القاضي بالحجز عليهما، ربطاً ببند جزائي يقضي بدفع 25 مليون دولار للدولة اللبنانية في حال تبيّن وجود سمسرات وعمولات. ما لم يفصح عنه المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم في قراره هو هوية الجهة التي تلقت العمولات والسمسرات.
وقد أثيرت هذه القضية في وقت يبحث فيه مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان لائحة المطلوبات بالعملة الصعبة، والتي سبق له أن وجهها إلى مصرف لبنان لدفع تكاليف العقود الموقعة بالدولار، حيث يتجه مجلس الإدارة إلى شطب بند الشركة التركية من لائحة المستفيدين من العملة الصعبة، حيث تتجاوز قيمة مستحقات هذه الشركة المتأخرة على الدولة اللبنانية، الـ100 مليون دولار، وهي كلفة تشغيل المعامل فقط، من دون الفيول اويل الذي تتكبد ثمنه مؤسسة كهرباء لبنان.
ولهذا يقول أحد المعنيين إنه كان من الطبيعي أن تكمل الشركة عملها ولو أنّ الدولة اللبنانية لا تدفع المتوجب عليها، طالما أنّها تعرف جيداً أنّها في نهاية المطاف ستحصل على مستحقاتها، خصوصاً وأنّ الشركة التركية غير مسؤولة عن كلفة الفيول اويل، وهامش أرباحها واسع جداً، وسبق للدولة أن تأخرت في الدفع وحصلت الشركة على حقوقها كاملة، ولهذا لم تتوقف أبداً عن العمل إلا بعد وقوع أمرين: الحجز القضائي واحتمال امتناع الدولة عن سداد مستحقاتها بالدولار.
يضيف أنّ مؤسسة كهرباء لبنان لم تبلغ الشركة عن نيتها في عدم الدفع بالدولار خصوصاً وأنّ القرار النهائي لم يتخذ بعد في هذا الشأن، كون مجلس الإدارة لم ينته بعد من وضع اللائحة النهائية لمطلوباته بالدولار لإعادة ارسالها إلى مصرف لبنان. ولكن الشركة باتت تواجه الكثير من الصعوبات خصوصاً وأنّ بعض أعضاء مجلس الادارة طرح فكرة ايداع مستحقات هذه الشركة فوراً بالعملة اللبنانية بالطرق القانونية المتاحة.
في المقابل يقول خبير إداري إنّ العقد مع الشركة هو عقد اداري دولي لتسيير مرفق عام، وبالتالي لا يمكن للطرف الثاني من العقد أن “يحرد” ويعلن توقفه عن العمل، واذا لحق ضرر مادي أو معنوي، يمكن المطالبة بتعويض مادي. وفي حال لم تدفع الدولة اللبنانية مستحقاتها، فيحق للمتعاقد معها المطالبة بغرامات، وقد يكون هذا الأمر حجة للتوقف عن العمل، والأرجح أنّ الشركة التركية تستخدم هذا العذر للتهويل بوقف محركاتها العائمة، خصوصاً وأن العقد يلزم الشركة بمتابعة عملها حتى انتهاء العقد. في الخلاصة، فإنّ ما شهده هذا الملف من تطورات سيحول حتماً دون ايجاد مسوغ سياسي للتمديد للبواخر بعد شهر أيلول المقبل، خصوصاً وأن قرار القاضي ابراهيم يعني أنه لديه قرائن تصل الى حد الأدلة حول دفع عمولات. وهو تطور يكفي لكي تغادر الباخرتان سريعاً الشاطئ اللبناني.